بقلم الأستاذة الشاعرة لطيفة الغراس/مكناس المغرب
سأسافر عبر الزمان للماضي،لأتفحص منظومة التربية الأسرية ومنظومة التربية والتكوي بمدارسنا.
من خلال تصفح أوراق الماضي وإنا أسترجع ذكريات رافقتني في مسيرتي المهنية،تعجبت كيف جعلنا جيلا،بعضه لا يمتلك الحس الوطني،ولا له قدرة على الاعتماد على النفس ولا قوة الصبر والتحمل؟
يبحث عن السهل الذي يصله عبر والديه،أو عبر قنوات التواصل،وليس له حتى قدرة التمييز بين الغث والسمين في هذه القنوات !
لن نحاكم منظومة التعليم،قبل أن نحاكم السياسات الفاشلة في هذا المجال وسكوت أهل العقد والحل،لأن الصراع السياسي أعمانا عن توجهات تربوية ومعرفية،كان من الممكن أن تعطي نتائج تليق بنا كبلد في طريق النمو. كيف تعلمنا فك الخط وبقي الوعي غائبا؟
كان أولياء أمورنا أقرب للأمية منهم إلى العلم،ولكن حرصوا على غرس قيم المواطنة،وحببوا إلينا طلب العلم،وكانوا القرين المساند لوزارة التعليم ،عبر عدة قنوات.
لنبدأ بالأسرة قديما،كيف كانت تتكفل بالتربية على القيم والاعتماد على النفس.
تذكرت يوم كنت آخذ سيارتي في السبعينات لأذهب إلى مدينة أزرو بجبال الأطلس المغربية،حيث كان زوجي رحمه الله يعمل بثانوية طارق بن زياد،ولكي أصطحبه في عودة لمكناس.
كنت في منعرجات الطريق الصاعد للأطلس وفي عز البرد،أجد أطفالا صغارا في طريقهم إلى مدينة الحاجب ،من أجل التمدرس،لا يعقيهم الثلج ولا أحوال الطقس،ولا حتى ضعف التغذية،كان الطفل منهم يحمل حقيبته وعها قنينة صغيرة مملوءة بالشاي وكسرة خبز! والمسافات ليست يسيرة،كنت في طريق العودة أتحدث مع زوجي رحمه الله عن ثانوية طارق وعن مستوى التمدرس،وكان يتعجب من قدرة التلاميذ على التحصيل،والعجيب أن تلاميذه بالأقسام العلمية كانوا يعشقون اللغة العربية وبعضهم يكتب الشعر،كان تفوقهم يثير الدهشة،في الأربع سنوات التي قضاها بهذه الثانوية،كانت نسبة النجاح في الباكلوريا في بعض الأقسام تصل إلى مائة بالمائة،وهي نسبة لا توجد بأي جهة أخرى.
وجدناهم فيما بعد أطرا كبرى بالطب والهندسة والعلوم،بل حتى في صفوف القوات المسلحة الملكية،وويحضرن إسم طبيبة جراحية مشهورة السيدة الصوادقة،والطبيب الأستاذ السيد محتان،غريب أن مثل هذه الأسماء حفرت بالذاكرة.
داخلية الثانوية تضم تلاميذ من مختلف جبال الأطلس وكذلك من الصحراء المغربية.
لم يكن هؤلاء في حاجة لا لأسرهم ولا لساعات التقوية !
كيف انهارت بعض القيم وأصبح الأبناء تحت وصاية أبوية في كل صغيرة وكبيرة،حيث فقدوا روح المبادرة والاعتماد على النفس،حتى التوقف بالسيارات قرب أبواب المؤسسات،يثير التعجب! لا أحد يقوى أويحب المشي لخطوات قصيرة،الكل يريد إن يتوقف بالباب ولو حت في الصف الثالث الموازي،في تجمع يقطع طريق المرور!
وهنا لا بد أن أعود لمنظومة التعليم التي ما عادت تعتمد على تنمية القدرات والمهارات،بل أصبح المعيار هو النقطة المحصل عليها في المعدل العام ؟؟
وتكالب أولياء الأمور على الساعات الإضافية من أجل التقوية وبالضبط في المواد العلمية…
وللحديث بقية وإلى موعد قادم إن شاء الله.