بقلم الأديبة والشاعرة أ. لطيفة الغراس/مكناس
سأبدأ بجمل وردت في كتاب مدرسي:واحد إثنان ما أحلى الرمان ! ثلاثة أربعة رسمت ضفدعة . عندما اعتصر قلبي الألم ،تذكرت صوت والدي عند الفجر وهو يرتل القرءان،كنت طفلة وكانت المعاني مستغلقة بالنسبة لي،ولكن كما قال ماسرجويه: أبكاني الشجا! ماسرجويه لم يكن مسلما وبكى عندما استمع لترتيل القرءان. تذكرت أن التغيير يبدأ بالعلم والإيمان بالمبادئ وهي تُغرس بالاستماع أولا،تبدأ بأحجيات تغرس قيم الحق والعدالة وحب الخير في أقل وأكبر صوره، وبمدرسة تمثل هذه القيم،عن طريق الكتاب المدرسي. الكتاب المدرسي علمنا بالإضافة لهذه القيم، بيان وبلاغة وجمال اللغة العربية. أعود لأحفر في الذاكرة لينبعث في ذهني نصا شعريا تحت عنوان: البستانية والأزهار،وكيف تعلمنا أولا أسماء الأزهار والورود،وكيف استهوتنا موسيقية النص،وعدت لحكايات من تاريخ شعوب قديمة ومن تاريخ الحضارة الإسلامية،وحكايات أشعب،وحكاية البخل من كتاب الجاحظ..الخ اللغة العربية ليست لغة سادت لأنها لغة قوم فتحوا الأصقاع،ولكن هي لغة الجمال والبيان والبلاغة والإيجاز، ولغة المرادفات فيها تعبر عن حالة دقيقة في الوصف،فليس معنى أتى هو قدم،أو أقبل ولا الداهية هو الألمعي ولا الصقع هو الصفع …الخ اللغة العربية بها 16 ألف جذر لغوي وكلماتها تصل إلى 12 مليون كلمة ومن هنا جاء دقة معانيها. وأقرأ في كتاب مدرسي تلك الجمل المبكية المضحكة،والتي ابتدأت بها مقالي، كيف يُسمح لكتاب مدرسي بهذه الضحالة ،لا من حيث التركيب ولا الفحوى،كيف سيحب الطفل هذه اللغة،وهو يقرأ نصوصا جميلة وأناشيد أجمل بلغة موليير؟ وكيف يتعلم الطفل أن للجاحظ حكايات البخلاء،كيف يعلم أن شوقي قدم مسرحية شعرية له عندما كتب الحيوانات المرضى بالطاعون، حيث يتعرف أولا على أسماء الحيوانات وطبائعه،وكيف يستنتج قيم الحق،بكمات خفيفة موزونة. كيف يعلم من قصص رويت عن الخليفة عمر بن الخطاب تغرس قيم العدالة ؟ الكتاب المدرسي للأطفال هو أول كتاب يعلم مبدأ المطالعة،فكيف سنحبب للطفل هذه اللغة وهو يردد جملا ركيكة تافهة.كيف سنوسع خياله ومداركه. الكتاب المدرسي يجب أن يراعي مبدأ الجمال وقواعد الترغيب،وإلا سنجد أطفالنا في وضعية غريبة،حبهم للغة أجنبية،ومقتهم للغتهم القومية والدينية. يجب أن نعلم الطفل حب لغته واعتزازه بها،وضرورة تعلم لغات أجنبية،فإذا كان الغرب يوما نقل وترجم كتبا عن العرب،فنحن كذلك علينا نقل وترجمة كتب تصدر اليوم في عصر التكنولوجيا،وأطفالنا هم رجال الغد،ورجل الغد من سيصنع القرار،وإذا كره لغته،فلن يعرف تاريخه وحضارته وقيمه،أن نحارب قوما هو أن نُشعرهم بدونيتهم ونغرس لديهم قيما غريبة على دينهم ومعتقداتهم وأخلاقهم،ليسهل تدجينهم ويموت عنفوان الكرامة لديهم.