بقلم الشاعرة والكاتبة أ. لطيفة الغراس/مكناس
لا أدري لماذا تستقر الأحداث المحزنة في بؤرة بالذاكرة وتفلح في تسريب همومنا الماضية،بينما نكتفي بابتسامة عندما نتذك هنيهة الفرح.
مكناس بلدتي وذاكرتي،والتعليم كان ذات يوم ،ينير عتمة الأيام.
ومن ذاكرة مكناس،قفزت أحداث من قلب ثانوية للاأمينة…
كنت لا أزال أحمل لهيب النضال في صفوف الاتحاد العام لطلبة المغرب،ودخلت يوما لأحد الأقسام،وكنت دائما في مقدمة تلاميذي،فوجدت على السبورة خريطة لفلسطين ولكن كتب عليها ( إسرائيل)! كنت أعلم أن درس التاريخ والجغرافيا يُقدم باللغة الفرنسية من طرف أستاذة فرنسية الجنسية متعاقدة مع وزارة التربية الوطنية،ولا أدري ما ملتها ولا معتقدها السياسي.
بقيت هنيهة أمام السبورة وبدأ التلاميذ في أخذ مجالسهم في صمت مطبق.
تقدمت نحو مكتبي وأخذت ممسحة السبورة ومسحت كلمة إسرائيل ووضعت إسم فلسطين.
كان أستاذ اللغة العربية يدرس تاريخ الإسلام وحتى دروس التربية الإسلامية،كان درس اليوم حول الحروب الصليبية !
بعد يوم أو يومين ولأول مرة بتاريخ الثانوية أضرب التلاميذ عن الدراسة وتجمهروا في الساحة وهتفوا لفلسطين…
وجاء رجال الشرطة وبقي الهمس حول كيف هتف التلاميذ لفلسطين واعتقد بعضهم أنني المحرضة،والواقع كان المحرض هو ذكاء التلاميذ الذي جعلهم ولأول مرة أمام تساؤل تاريخي مهم يرد الأمور إلى أصلها.
كانت هناك لقاءات ثقافية تُعقد كل ليلة وتضم نخبة من مثقفي ومناضلي مكناس ومن بينهم زوجي رحمه الله والمرحوم الكرامي المرحوم السليماني العلوي والشاعر الدمناتي والشاعر الزيتوني…الخ
وكل نقاش فكري يجر للواقع السياسي،وبعد لطيفة الغراس،جاء دور محمد بريط ليبيت ليلة في ضيافة شرطة أحد أقسامها بمكناس..كان المسؤول وقتها بعد الخروف المرحوم الشرقاوي،الذي رأى أن لا خطر من هؤلاء وأطلق سراحهم.
كنا نلتقي في صالون فكري أدبي بمنزل المرحوم مصطفى الرقة،ومايميز هذه اللقاءات هو اختلاف المشارب وتنوع الفنون: رياضيات،فنون تشكيلية،أدب،فيزياء..
كان الرواد يتشكلون من تلاميذ وطلبة وأساتذة وفنانين،منهم المرحوم القاسمي والمرحوم الدكتور الأشطر والأستاذ المنيعي وقتها ولم يكن قد حضر شهادة الدكتورة،مثله مثل المرحوم الرقة.
كنا بعد انتهاء الجلسات نخرج في أبهى حللنا لنتجول بشارع محمد الخامس،دون خوف من كلام مزعج،أو تصرف بدائي،فلم تكن سوى باريس الصغيرة حاضرة وهي مكناس..!