بقلم: الدكتور العيد بوده
هو جبرين أق محمد أق مشار أق بوبكر، من مواليد 1890م ، وينحدر من قبيلة (كيل مداك) التي سكنت منطقة (تامغيت) في قلب التاسيلي ، حيث تعلم جبرين قراءة وكتابة حروف التفيناغ، وهنالك تزوج سنة 1924م، من أيوب مامة بنت أغالي وتمرت بنت حاميد
لقد تميز جبرين بخبرته ومعرفته العميقة بمجاهل الصحراء التاسيلية وتضاريسها التي احتضنته صغيرا ويافعا في رحلات الرعي، والسفر، وقد انتبه لهذا الأمر أحد الظباط الفرنسيين سنة 1920م، فاقترح الاستفادة من خبرته الميدانية لتسهيل الاكتشافات الجغرافية للمكان، حتى أنهم نصبوه دليلا رسميا لكل المهمات العلمية والأبحاث التي تقوم بها الإدارة الفرنسية في التاسيلي.
قام جبرين برحلة استكشافية في بداية الثلاثينات، تزيد عن ستة أسابيع ، في عمق التاسيلي أين تجول في مناطق عدة على غرار؛تامغيت ، إن إتين ، إتغس نالياس ، صفار، تين تزريفت ، تين أبتيكة ، تين التوهامي ، تين كنى ، إجاباران. وقد اكتشف في رحلته تلك مكنونات التراث الحجري العتيق، بما في ذلك الرسوم الجدارية، والنقوش الصخرية ، والمغارات الأثرية. والمعالم الجنائزية، ناهيك عن المستحثات، ومختلف الأدوات التي استعملها الإنسان القديم الذي سكن المكان.
وفي سنة 1932م، استأنف الرجل رحلاته الاستكشافية، فأكتشف منطقة تادرارت وضواحيها وهذا مما شجع الإدارة الفرنسية على الاستعانة به كدليل في أول مهمة استكشافية للنقيب بيرنان(bernan) سنة1933م، حيث تم العثور على البقايا الأثرية التي تعود الى ماقبل التاريخ بتين كنى، وقد تم اعتبارها من أهم الرحلات الاستكشافية للفن الصخري في ثلاثينات القرن الماضي.
ولعل ذلك ما شجع هنري لوت (h.lhote) على خوض تجربة الارتحال في عرض الصحراء، لاكتشاف كنوزها الأثرية، وتوثيقها في أبحات نشرها خلال الخمسينات، حيث اطلع لوت على نتائج رحلة بيرنان عام 1935م، ثم قام بتنظيم أول رحلة له على رأس بعثة علمية، بتكليف من القس بروي الذي كان كبيرا في السن، ولم يكن قادرا على تحمل مشاق السفر في صحاري التاسيلي، فطلب من هنري لوت الذي كان يتمتع بالعنفواني الشبابي أن يقوم بدراسة الرسوم الصخرية بالصحراء الوسطى الجزائرية، حيث قام لوت بإحضار فرقة من الرسامين لرفع الرسومات ، وطلب من جبرين أن يرافقه في رحلة إستكشافية مطولة مسح خلالها مناطق واسعة من هضبة التاسيلي نازجر؛ ومن ذلك: مواقع وادي إيدو، تين بجاج ، تين زوميتاك وغيرها .
شارك جبرين بعد ذلك في عدة مهمات رسمية، لرسم الخرائط العسكرية، على غرار: مهمة تادرارت، وأميوك سنة1937م.كما قاد أيضا فريقا من المهندسين لرسم الطريق وتحديد المسالك ووضعها على الخرائط. وبالنظر إلى خبرة الرجل العميقة بالصحراء ، ومساهمته الكبيرة في اكتشافات الفن الصخري، والتراث الأثري، فقد أصبح جبرين بين سنتي 1949 و1952م. الدليل الرسمي لجامعة الجزائر التى أحرزت نتائج معتبرة في ميادبن مختلفة في الجيولوجيا والجغرافية ، وعلم النبات والحيوانات، وعلم المناخ .
وفي الفترة الممتدة من 1956 إلى 1969م شارك جبرين مرة أخرى في بعثات علمية وإستكشافية بقيادة هنري لوط حول مواقع هامة في تامغيت ، وإجاباران ، تيسوكاي ، وهضبة تاجلا هين .
وبحلول سنة 1978 م عُيِّن وصيا في مخيم تامغيت للسياح لشركة النفط الجزائرية سوناطراك ، ثم تم تعينه مُوَجِّهَاً لكل البعثات العلمية التي تزور منطقة التاسيلي نازجر.
وفي 1979 أستقر جبرين في مدينة جانت حيث وافته المنية في 22 فيفري سنة1981م. بقرية إن بربر عن عمر يناهز التسعين 90 سنة .
رحل جبرين الذين لم يوفه هنري لوت حق الإشادة والشكر في أبحاثه التي لولا جبرين ماكان له أن ينجزها، ويحظى من خلالها بتقدير العالم أجمع. رحل جبرين الذي ساهم في اكتشاف التاسيلي الذي يعد متحفا طبيعيا ثمينا مفتوحا على الهواء الطلق، وهو من المحميات الطبيعية المصنفة ضمن لائحة التراث المادي العالمي للإنسانية. رحمه الله، وأكرم مثواه