بقلم :ذ/لطيفة الغراس -مكناس
كتبت عن منزلة سعد السعود وقد قالت العرب عنها: إذا طلع سعد السعود،نضر العود،ولا نت الجلود،وكره الناس في الشمس القعود.
وقال المغاربة: سعد السعود يخرج فيه النمس والقنفود وتزنزن النحلة في العود ولا تموت بالبْرُود.
عادت بي الذاكرة لتاريخ عشنا فيه بأسرة كثيرة العدد،وللأسف لم أعرف لا جدتي لأمي ولا لأبي،رحم الله أمواتنا.
عاشت معنا عمتي للازهرة كما كان يناديها الجميع،كانت عالمة دون أن تفك الخط وكانت المعلومات فيما بين الأسر تتداول شفويا وتستقر بالذاكرة،كانت تعرف أسماء منازل الفصول وكانت بطريقة ذكية وعملية تعلمنا إياها،و شهور السنة ( يناير كباب الما بالغراير) مطر غزير على حين غرة.
فبراير يخلي زغب المعزى كيطاير)
مارس شرقة وبرقة أي بين إشراق وبرق
أبريل ظليل
مايو صافي صقيل. … الخ
كانت تردد على مسامعنا: إلى خرجت الليالي،لا تشري ثوب غالي…
كانت الأسر المغربية تحافظ على طقوس خاصة لكل فصل من فصول السنة وكان المغرب بلدا فلاحيا،يحتفل برأس السنة الفلاحية،وبطقوس خاصة في الأكل،ليتذكر الأطفال أنواع الخضر وأسماءها،فكان الكسكس من القمح الكامل وبسبع أنواع من الخضر،الأمهات والجدات والعمات والخالات لهن خبرة ودراية تختزن بالذاكرة،كنا أيام فصل الربيع نخرج للنزهة في البساتين والعرصات،وكانت تتملكني الدهشة من تمكن عمتي وأمي رحمهما الله من معرفة كل أنواع النباتات الخاصة بالعلاج والخاصة بالأكل ومنها البقوليات،ولم نتعلم من المدرسة في هذا الباب ما كانت الأسر المغربية تقدمه من علم قائم الذات،واليوم بكل ألوان المعرفة لا زال بعض التلاميذ يخلطون بين البقدونس والقسبور،كان للأحجية دور بناء الشخصية وتعليم الحكمة والأخلاق العالية.
تعلمنا من أحجيات ليالي البرد القاسية بمكناس،وكم أتأسف لجهلي وأنا أعيش إلى جانب عمتي الزجالة التي ماسمعتها قط تتحدث بلهجة عامية عادية،مثل أمي ذات الجذور الفاسية ولا مثل زوج أبي ذات الجذور المكناسية،لسبب بسيط أنها كانت رسائلها دائما مشفرة تحمل المعاني الملائمة للحدث أو الموقف. لم أسجل ولا أحد منا ونحن سبعة ذكور وثلاث إناث لأخيها،سجل حديثها وزجلها!
تعلمنا منها الكثيرعن الطبيعة وعن الحياة والسلوك ولكل مقام مقال.
اليوم بكل مظاهر الحضارة،بدأنا نفتقد مكارم الأخلاق وعلم الأجداد وخبرة الجدات واعتقدنا أن العلم كله هو ما تعلمناه في المدرسة!
أطفالنا اليوم تحت عملية غسل الدماغ نسوا أصالتهم وهويتهم،أصبح الطفل يكره لغته الأم فهو يعتقد ان العلم والحضارة يأتي من الغرب،،مدارس أجنبية جعلته يخلط بين العرقية والأصالة،بين الحضارة كقيم علمية ورقي فكري وبين مظاهر تافهة،بين دين أسس على السلوك والمعاملة،وبين مظاهرشكلية،إننا نفقد هويتنا ولغتنا ومنا من يكره اللغة العربية لأنه يجهلها! يوم كان العرب أقوياء،كان الطلبة من أوروبا يقبلون على تعلم اللغة العربية ليترجموا الكتب العلمية والفلسفية،وعندما ضعفوا ضعف علمهم ونسى الناس الذين جهلوا التاريخ ان الحضارة الإنسانية ساهمنا في بنائها بقدر كبير! طبعا هناك كبار الفلاسفة وكبار العلماء وكبار الأدباء من الغرب من يعترف بهذا، بعض البلدان في عصرنا الحالي جعلها في مناهج التدريس،اللغة التانية،وبعض الناس من بلدي يعتقد أنها لغة لا قيمة لها!
الماضي منه يولد الحاضر،علموا أطفالكم الانفتاح على العالم واللغات ولكن راقبوا تعلمهم حتى لا يفقدوا قيمهم وأصالتهم ولغتهم ،احترموا الماضي فقد كان به أناس ،منهم من لا يفك الخط ولكن لديه خزانة من الخبرة والمعرفة بذاكرته،وكثير من العلماء والمستكشفين جالوا بأصقاع بعيدة من أجل اكتساب الخبرات.
ADVERTISEMENT