أ د أحمد بقار جامعة ورقلة الجزائر
لكل شيء زينة و زينة الكلام الشعر ، الشعر هو وحي الروح ، هو المارد الذي يسكن المهج ، و اللغة الجميلة و الصورة المبدعة و الإيقاع الأخاذ ، و الفكرة الهادفة كل هذه ؛ هي وسائل التمكن لهذا المارد الجميل ، قدر الأمة العربية أن تكون أمة شعر منذ غابر أزمانها ، و كان و لا يزال و هذا قدرها أن يكون الشعر ديوانها ، ديون العرب ، و قد قال أحد نقادهم : ” لن تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل حنينها ” ، و يكفي أن الشعر الجاهلي هو النطفة الجميلة الأولى في رحم اللغة العربية .
يشترك الناس جميعهم في الروح التي خلقوا بها و يعيشون بها ما قدر لهم من حياة على ظهر البسيطة ، لكن الشاعر تولد معه روح أخرى تجعله متفردا في حياته عن العامة ، روحان يحلان في جسد واحد ؛ إنه الروح الشعرية التي تولد معه و لن تفارقة إلا بعد أن يوسد في التراب ، تماما مثل الروح العلمية التي سكنت واحدا من علماء الأندلس ” عباس ابن فرناس ” الذي يرمي بنفسه طائرا من أعلى بناء أمام خلق كثير في تجربة تاريخية ليجرب كيف يطير الإنسان ، فاستوى له الأمر بدءا لبضعة أمتار طيرانا ثم أنهكت قواه و هوى على الأرض و كاد أن يموت لولا لطف الله به ، فهرع الناس نحوه ليروا عن كثب ما حل به ، و يحمدون الله له على السلامة و النجاة من موت محقق ، غير أنه لم يأبه لحديثهم و لا لآلامه و لا لتهشم عظامه و راح يقول متأسفا : الذيل .. الذيل .. إنه الذيل ! مشيرا إلى أنه لم يتفطن إلى اتخاذ ذيل مع الجناحين ليتم الطيران بشكل سليم ، هي الروح العلمية إذن التي تحيا مع الروح الفطرية ، كذلك الحال مع الشاعر ، إذ لا يكون الشاعر كذلك إلا إذا كان مسكونا بهذه الروح ، الروح الشعرية التي تجعله على التزام دائم مع روحة أولا ، و مع محيطة الضيق و الواسع ثانيا . و الشاعر الفاشل هو الذي يريد أن يعيش لحظات من التهريج و التصفيق و التهليل ، ثم يموت نصه ، و يموت ذكره .
على الرغم من أن هذا الزمن زمن الرواية لأسباب فرضها الواقع الحضاري الجديد ، غير أن الشعر لم يفقد ذلك البريق الجميل الذي يهز هزا ، هز العصفور بلله القطر . و يرسل رسائل مكثفة في لحظات .
نلاحظ كثافة الأقلام و القرائح التي تسير سيرا حثيثا نحو الإبداع في مجال الشعر ، فريق له موهبة حقيقية فطر عليها فيكتب بروح الشاعر ، فهو شاعر بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و آخرون خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا ، فمنهم موهوب لكن يعتوره نقص اللغة و الفقر من الجمال الذي ينبغي أن يكون في الشعر من مثل : الإيحائية : و هي السمة الفارقة بين اللغة العادية و اللغة الأدبية ، و الغموض : و هو الغموض الفني الذي لا يصل إلى درجة الغموض و اللبس ، و المفارقة : و تنبع من مجاوزة الواقع و الابتعاد عن معجمية اللغة ، و الانفعالية ، و الموسيقية و الفردية : التي تجعل الشاعر يتميز في لغته و أسلوبه عن أي شاعر آخر ، و الانحراف : و الذي يعني كسر الدلالة الأولية للألفاظ و الابتعاد بها عن دلالتها المعجمية بإنشاء علاقات جديدة ؛ لأن ” الشعراء أمراء الكلام ، يصرفونه أنى شاءوا ” كما يقول أحد نقادنا القدامى ، على الشاعر الذي يريد أن يتفيأ ظلال الشعر أن يتمثل الكثير من هذه المبادئ ، و أن يجعل من شعره حاملا روحا إنسانية .
تلعب المسابقات الشعرية و الجمعيات الثقافية مثل : ( شاعر الجزائر ، شاعر المليون ، شاعر الرسول صلى الله عليه و سلم ، شاعر العرب ، مهرجان الشعر الطلابي بجامعة ورقلة ) ، و الجمعيات الوطنية : ( اتحاد الكتاب الجزائريين ، بيت الشعر الجزائري ، الجاحظية ، رابطة الفنانين الجزائريين ) و غيرها من المسابقات و الجمعيات تجعل المبدع على قرب من معرفة ما له و ما عليه و يدرك بيقين مستواه الإبداعي الحقيقي ، هي محطات حقيقية لتجعل المبدعين في الميزان و خاصة في غياب النقاد الملازمين للمبدعين ؛ لأن النقد و الإبداع صنوان متلازمان ما يفتأ أحدهما يطلب الآخر ، فكم من شاعر كتب له الشيوع و الذيوع بعد أن توج بمراتب متقدمة في مثل هكذا تجمعات ، و لسان حاله يقول : ” الجمال موجود لكن من يحس به ، و متى نحس به . . ؟ “