الأستاذة و الروائية: سعاد فقي بوصرصار/ تونس
قال تعالى: «سيحوا في الأرض وابتغوا من فضل الله …“
التّجارة من أهمّ أسباب السفر. وقديما كانت رحلة الشتاء والصيف. كان الناس ومازالوا يسافرون للتّجارة. يتركون الأهل والأرض ويرحلون بحثا عن الثروة متحمّلين المشاقّ المادّية وآلام الفراق والبعاد عن الأحباب. ثمّ تنوّعت أسباب الرحلة فصارت لطلب العلم والدّراسة أو للحجّ أو بكلّ بساطة للسّياحة.
كانت القوافل تغادر مشيّعة بالبكاء والنحيب. لأنّ الفراق مرّ ومؤلم ولأنّ الأخبار ستنقطع فلم تكن هنالك وسائل للاتّصال والاطمئنان على الأحوال والصّحة.
كان السفر قطيعة تفرّق بين الأحباب وفلذات الأكباد وتقوّي أواصر الشوق و الحنين بين الضلوع.
كانت وسائل السفر بدائية و كانت الرحلة شاقّة و خطيرة، فالطريق محفوفة بالمخاطر. و السفر قطعة من العذاب .فالمقبل على السّفر كالداخل الى البحر هو مفقود واذا عاد بالسلامة فهو مولود من جديد.
ورغم مخاطره، فإنّ السفر مغر لمن يبحث عن الثروة كتجارة الذهب والرقيق والملح وراء الصحراء الإفريقيّة. أو الفارّ من واقع غير مريح لأسباب سياسيّة أو دينيّة أو حتّى عاطفيّة. أو للباحث عن المعرفة مثل الرحلات الاستكشافيّة والمغامرة.
رحلات السندباد البحري وما فيها من غرائب وخيال مازالت متعة للصغار والكبار.
السفر مدرسة لا يقبل عليها إلاّ محبّ للحياة والحركة والتغيير و المغامرة فيتخرّج منها العالم والغنيّ و السويّ والفنّان والمشهور.
قال الشافعي: ” سافر تجد عوضا عمّن تفارقه*** وانصب فإنّ لذيذ العيش في النّصب”
تبقى رحلات ابن بطّوطة ذخيرة أدبيّة من طراز رفيع. فقد دوّن فيها ما رآه وما اعجبه طيلة خمس وعشرين سنة قضّاها في الترحال والسّياحة في أرض الله الواسعة.
الرحلات الاستكشافيّة ل”ماجلان” أو “فاسكو دي قاما” أو رحلات “كريستوف كولمب” أو “الكابتن كوستو” كلّها حقّقت قفزات في تاريخ البشريّة.
ولم يقتصر طموح الانسان على الرحلة في البرّ والبحر بل انطلق في الفضاء. و وصل الى الكواكب الأخرى و وطئت رجلاه القمر مافتىء مفردا شراعه مسافرا في المكان للبحث والاستقصاء و إشباع رغبة المعرفة حبّ الاطّلاع على أسرار الكون والبحث عن متنفّس للأرض ليخفّف عنها فقد ضاقت بما رحبت
قد تصبح الرحلة الى المريّخ أو القمر عاديّة ومنظّمة مثلما هيّ اليوم بين المدن و البلدان والقارّات.
لو تعلّقت همّة ابن آدم بما وراء العرش لناله.
.سفر سفر سفر…
كلّنا على سفر.
والمسافر الحكيم من أحسن اختيار رفيق السفر
اكتشف الإنسان وسائل النقل والمواصلات . فيسّرت الرحلة وسهّلتها و جعلتها أكثر راحة. رسم الخرائط. و بنى الموانئ و المرافئ والمحطّات والمطارات والاستراحات. مهّد الطرق و مدّ السكك الحديديّة و وصل بين البلدان والأقطار واختصرت المسافات.
أصبحت الجولة حول العالم ممكنة لا في ثمانين يوما بل ربّما في ثمانية أيّام.
اختلفت أسباب الرحلة وأصبح الإنسان يسافر من تونس الى باريس لإقتناء حاجته من تخفبضات الماركات العالميّة من ملابس وعطور و …أو لحضور مباريات رياّضيّة أو للترفيه عن النفس…
السفر سنّة الحياة. والحياة رحلة…قطار نركبه جميعا. يتوقّف من حين لآخر في محطّات. ومن يدرك محطّته ينزل والرحلة متواصلة.