ذ. سعاد السبع المغرب
في خضم ما يعرفه العالم من وباء كورونا المستجد الكل يتحدث عن الوقاية الجسدية، لكن قليلون هم من يتحدثون عن الوقاية الفكرية و النفسية و هي أهم بكثير.
فبلا شك أن الوباء الذي حل على البشرية في عالمنا الحالي، والذي يعرف بـ «COVID-19» فيروس كورونا المستجد، ليس كبقية الأوبئة، إذ اضطرت العديد من حكومات العالم ومؤسسات المجتمع أن تواجه خطر انتشاره، من خلال فرض بعض الإجراءات الاحترازية، التي قد وصل البعض منها إلى التشديد وتطبيق العقوبات الصارمة، وذلك للحد من انتشاره وتفشيه.
وفي ظل ذلك، بقيت الأسر في الحجر المنزلي، ولجأ البعض إلى متابعة كل الأخبار المتعلقة بالإصابات والوفيات، والأنباء الصادمة وغير المحببة في غالبية الأوقات، من هنا برزت الكثير من السلوكيات والأفكار السلبية التي قد تساهم في تدمير نفسية الفرد، وبالتالي التأثير على صحته ومناعته بشكل عكسي.
و قد أثبتت دراسات عدة أن التوتر والقلق عملان أساسيان في ضعف المناعة عند الإنسان، لأن الخوف يسبب الضغط النفسي و التوتر و بالتالي يرتفع إفراز هرمون الكورتيزون الذي يؤدي بدوره إلى خفض مناعة الجسم و يصير بذلك الجسم معرضا لأي فيروس كيفما كان على عكس الحالة النفسية الإيجابية التي تعد نصف العلاج إذا لم تكن غالبيته.
و بالتالي فالإنسان بحاجة إلى الإستقرار النفسي. لافتا إلى أن كل ما هو مطلوب منه أن يعيش متفائلا وعنده أمل. هذه هي الطريقة التي يجب أن يعيش بها الناس في ظل الأحداث التي يعيشها العالم.
يروي الراهب الهندي والكاهن اليسوعي أنتوني دي ميللو حكاية رمزية مؤداها، أن الطاعون كان في طريقه إلى مدينة دمشق، فالتقى أثناء عبوره بالصحراء قافلة، سأله قائدها: “لم العجلة؟ إلى أين تمضي هكذا مسرعا؟”، فأجابه الطاعون: “إلى دمشق، أنوي القبض على حياة ألف شخص”.. وأثناء رجوعه من “مهمته” التقى الطاعون بذات القافلة، بعد أن كان قد ذاع ما فعله الطاعون من كوارث بالشام، فقال له قائدها مستنكرا: “لقد أخذت حياة 50 ألف شخص، وليس فقط ألفا كما ادعيت”، لكن الطاعون أجاب بيقين المخلص الملتزم بكلمته: “لا أبدا، أخذت فقط روح ألف ضحية، ولكن الرعب والفزع هو من حصد الباقي!”
كذلك هو الشأن فيما يجتاح العالم اليوم جراء سرعة انتشار فيروس كورونا المتجدد، فالوباء حقيقي وخطره قائم، لكن هناك ما هو أخطر على الناس من فيروس كورونا، إنه الأخبار الزائفة والشائعات التي تخلق هالة من الفزع والرعب الأشد فتكا، كما الطاعون في حكاية المفكر أنتوني دي ميللو الذي لم يقتل سوى ألف شخص، لكن الخوف والفزع الذي انتشر بين الناس هو الذي قتل 49 ألفا منهم.
فنحن في حالة حرب ضد فيروس قاتل، ويفترض أن يكون مدربي و خبراء التنمية الذاتية سندا للبشرية اليوم بل ناشرين للأمل و الطمأنينة في النفوس و نصح الناس بالإبتعاد أولا عن من يدعي وقائع زائفة أو يقوم بتحوير وقائع حقيقية بكلام مغلوط يشوه الحقائق ويخلق الفزع في الناس ويروعهم، هذا أكبر خطر من الجائحة نفسها التي ساوت في ضربها العالم كله، وستمر كما مرت المجاعات وباقي الأوبئة وبأقل الخسائر متى ما اتخذنا الحيطة اللازمة وتخلينا عن العبث والاستهتار.
فأول ما ينصح به مدربو التنمية الذاتية هو الالتزام بالوقاية الجسدية والنفسية و عدم التعاطي للمغالطات و لا المساهمة في نشرها كذلك، ثم التحلي بالإيجابية و روح المعنويات العالية من اجل سلامة الناس و سلامة ذويهم و محيطهم.
و من بين أهم النصائح التي يقدمونها عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل ضبط النفس و إدارة الضغوط النفسية و التحلي بالروح الإيجابية :
الإبتعاد عن أخبار الفيروس المستجد فكل ما يجب معرفته عنه قد علمه الجميع
الإلتزام بالوقاية الجسدية التي من شأنها أن تبعد عنك خطر الإصابة بالفيروس
الإلتزام بالحجر الصحي في البيوت و عدم الخروج إلا لضرورة ملحة
عدم التركيز على المشكل في حد ذاته و اعتباره أمرا عرضيا و سيزول بالصبر
التأقلم مع وضعية الحجر الصحي مسألة ضرورية
اعتبار هذه الأزمة منحة ربانية و فرصة عظيمة من أجل :
• الإختلاء بالذات
• تقييم الإنجازات
• فرصة من أجل التقويم
• فرصة للتخطيط
• فرصة للتصالح مع الذات
• فرصة لتوطيد أواصل الروابط الزوجية و الأسرية
• فرصة للإطلاع على الإحتياجات النفسية و العاطفية للأبناء.
و من أجل التحلي بالروج الإيجابية في ظل هذه الأزمة العالمية، و نشر تلك الإيجابية من حولنا عليك ب :
ركز على ما تملك
يقول الدكنور محمد بن حمد الحسن الباحث في القضايا التربوية و العلوم الإحصائية : ” إن الحياة البشرية مزيج من الأفعال و الأفعال المضادة التي تشكل خطوطا يسير عليها الأشخاص، و منها انقسم الأشخاص أثناء هذه الأزمة إلى فريقين، أحدهم تفاعل بشكل سلبي، و الآخر بات إيجابيا في التعاطي مع قضايا مجتمعه المصيرية “.
فمفهوم الإيجابية يتلخص في القدرة على التركيز على ما يملكه الشخص، و استشعارو خلق السعادة رغم الظروف العصيبة التي تمر منها البشرية، و الشعور بالإمتنان بما لديه، و التفكير بإيجاد أمور حسنة في أكثر المواقف إيلاما باعتبار في كل محنة هناك منحة، كما أنها قدرة الشخص على أن يكون عضوا مفيدا في المجتمع، و قادرا على التطلع للمستقبل بثقة و تفاؤل.
كيف تسهم بإيجابية ؟
يجب على كل فرد مواطن أن يساهم بشكل إيجابي في بناء مجتمعه و لهذا عليه القيام ب:
• خلق أجواء إيجابية داخل أسرته أولا، و من ثم مجتمعه، و ذلك من خلال التمسك بالقيم و المبادئ و كذلك الإلتزام بالإرشادات المفروضة من طرف الدولة و الإسهام في الحفاظ على سلامته و سلامة أسرته و مجتمعه.
• تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه نفسه و البيئة المحيطة به
• إدخال السرور و الطمأنينة في نفوس الآخرين و عدم تهويل الوقائع و خلق الفزع و عدم نشر الأخبار الزائفة و ذلك قصد تخطي هذه الأزمة بسلام و الإرتقاء بالمجتمع.
• حث الآخرين على التفاعل الإيجابي مع الأحداث و ملازمة التفاؤل و عدم اليأس.
• الثناء على مجهودات الآخرين، سواء الذين في الصفوف الأولى من ساحة المعركة من أطقم طبية و صحية و من سلطات أمنية على مختلف أنواعها أو من جنود الخفاء سواء كانوا أفرادا أو جهات مختصة، و شكرهم على استماتتهم و أدائهم الجيد.
• مراعاة التغيرات الوجدانية العاطفية لدى الأشخاص الذين يتم التواصل معهم سواء من المقربين أو حتى الأصدقاء الإفتراضيين غلى مواقع التواصل الإجتماعي.
• الإهتمام بالفئات المجتمعية الهشة من خلال القيام بمبادرات اجتماعية قصد مساعدتهم في ظل هذه الظروف الراهنة
• الإهتمام بفئات المجتمع المختلفة، من خلال القيام بأنشطة ثقافية و محاضرات و عروض بطابع إلكتروني في ظل الحجر الصحي، لتعزيز مفهوم التفكير الإيجابي الذي يساهم في خفض مشاعر التوتر و القلق و ينشر الطمأنينة.
• تذكر الأزمات السابقة التي مرت و كيف استطاع الإنسان تخطيها، و ذلك لخلق الأمل في النفس و كونه قادر على تخطي هذه الأزمة كذلك.
هذه الأزمة إذن فرصة ثمينة لتجديد الحياة و محاولة فهم الآخر بشكل أعمق، فهناك فرصة للبقاء معا و توطيد العلاقات الأسرية بعيدا عن الضغوطات اليومية، و استغلال هذه الفترة بشكل إيجابي و إعادة ترميم العلاقات المتهالكة، و إعادة الدفء إلى الحياة العاطفية بين الزوجين، و ما له من تأثير فعال على الأبناء بشكل خاص و على المحيط بشكل عام.
و في الختام نحن اليوم أمام تحد كبير أكثر من أي وقت مضى…و الظرفية تقتضي ثقافة التعايش مع الفيروسات..احترازيا…و وقائيا…و تعبئة نفسية و معنوية…إذن لا بد من برمجة تحيلنا إلى الوقوف صامدين أمام هذا التحدي و التحديات القادمة.