الدكتورة: لطيفة حليم العلوي / مونتريال كندا
زكية خيرهم/ النرويج
زكية خيرهم . كاتبة نرويجية من أصل مغربي ، تقيم في بلد النرويج وبمدينة أوسلو منذ أكثر من عقدين من الزمن. تكتب باللغة العربية الشعر والرواية والقصة والنقد وتترجم الأدب العربي إلى نرويجية . صدرت لها عدة مؤلفات و مقالات في مجلات وجرائد و في مواقع إلكترونية,
قراءة قصة قصيرة “هذا البلد وطني”
تستهل الساردة هذه القصة . ” هذا البلد وطني ص 57- 67 ” – المسحوبة من المجموعة القصصية الموسومة ب” الأجانب في بلاد الفايكنغ ” . الأجانب في بلاد الفايكنغ. مجموعة قصصية . عمان : دار الكرمل. 2008 .
مفاتحة تؤشر إلى ملخص للقصة “الأجانب…. مأوى العجزة…. هلمليا…. هذا البلد وطني”.
التعارض و التشاكل القائم داخل النص السردي
أول صوت هو إيقاع الجنين في رحم الأم ..وهو الظلام الذي تستهل به السارة مفاتحة القصة. من الظلام إلى النور. والذي تحيلنا عليه هذه القطعة السردية:
” وضوء الفجر يقترب بصمت ذلك الليل ”
يواجه القارئ-ة- في هذه القطعة التعارض القائم. في تشغيل اللفظين: “الفجر”، الليل”. لهما دلالتهما العميقة التي تتبناها داخل النص السردي. لا شيء يكتب عبثا عند الكاتبة زكية خيرهم. حتى النقط “….”
منذ الصفحة الأولى السارة تحيلنا على “حبيبات ثلج “، “النرويجية ” الغرض عندها أن تساعد القارئ-ة- ليستحضر البلد الآخر “النرويج”.”هذا الوطن بلدي” . تنطلق من مؤشرات جغرافية طبيعية، توظف فيها ندف الثلج.
تواجه القارئ -ة-:
1 من ظلام “الليل” إلى نور” الفجر” ، المساعد هو توظيف فعل “استيقظت” ضمير المتكلم. وتعلن فيه عن اسم البطلة ” جمانة”، مع توثيق “شهر فبراير” و فصل الشتاء ” الشتوي”.”استيقظت” فعل يدل على الحركة. لهذا نجد السارة تتحرك داخل النص السردي لتفصح لنا عن رؤيتها لكثير من القضايا التي يعيشها المهاجر -ة- هذا “البلد وطني”.
الانتقال من “سريرها” إلى ” استحمت” ،”لبست” تفيد :حركة ، تغيير ..
2- من مكان مغلق البيت إلى مكان مفتوح الشارع مع تحديد المكان “موقف . الحافلة ”
الحكاية الأولى الأساسية. البطلة “جمانة” تتحرك عبر صفحات القطع السردية . تنتظر” الحافلة”ص 57
” وصلت “ص 67.
تؤثث الفضاء السردي ” الساعة”. بحضور “جمالة” الفاعلة داخل النص خلال هذه القطعة:
“..نظرت – جمانة- إلى ساعة معصمها الجلدية وبطرف كم المعطف أزالت عنها الثلج..
بين الصفحات من 57-67 ترسل إرسالية، الهدف منها سرد حكاية امرأة”هداية ” وحكاية رجل “باري”
الحكاية الأولى تهيمن على الحكاية الثانية والثالثة كما سنرى .البطلة ” جمانة” تنتقل في نفس الصفحة57 إلى الحكاية ثانية . ” تحدق ببصرها صوب شقق جاراتها” إلى صفحة 61 ” تتذكر حواراتها مع جاراتها حتى توقفت الحافلة .” تنتقل إلى الحكاية الثالثة. كأنها تقوم بعملية ” التصندقات ” صندوق يدخلنا في صندوق. تمرر قطعا سردية تنتقد فيها الجالية العربية داخل البلد النرويج و تتساءل البطلة في الحكاية الثانية :” ..كيف يعشن من غير عمل ، إلا على ذلك الدخل الزهيد من الضمان الاجتماعي “. الهدف عندها من هذه القطعة أن توظف بعض المشاكل التي تحط من قيمة الجالية العربية النسائية ” يذهبن إلى المدرسة ثلاث مرات في الأسبوع ليدرسن اللغة النرويجية خمس ساعات في اليوم..وكـأنها خمس سنوات في السجن…’هداية’ تقول لي لو كان لي الاختيار بين الذهاب إلى المدرسة أو أن يأخذ عزرائيل روحي لفضلت عزرائيل على المدرسة”. ص58
الساردة تعرض حياة مجموعة من النساء العربيات في بلد النرويج يعشن على الضمان الاجتماعي دون عمل .التعارض تمرره في تشاكل جميل . حيث تشتغل ‘جمانة ‘ في دار العجزة و’ مرام ‘ تطلب من أمها أن تشتغل في مستشفى المسنين . الأم ترفض عمل بنتها . تتدخل ‘جمانة ‘ في قولها ” العمل ليس عيبا” ص58
مشاكل الجالية العربية تواجهها السارة بنقد صريح ومواجهة جميلة . من خلال التذكر وهي تنتظر وصول الحافلة لتذهب إلى العمل ” تحدق ببصرها صوب شقق جاراتها”. وتوجه لهن نقدا صارما، من خلال الإحالة على ذكر أسماء مجموعة من النساء: هداية، علية ، رقية، سعدية، فتيحة، هنية. لا يشتغلن . التعارض والتشاكل. القائم داخل القطع السردية
الغرض عند الساردة أن تصل إلى الهدف من كتابة هذه القصة وهو قولها ” ..نحن يا ‘علية’ لصوص ويملك أمرنا لصوص ، قدمنا إلى هنا متأففين .. ناقمين.. نمارس مهنة اللصوصية لأن اللصوصية تجري في دمنا..”
.. مازالت ‘جمانة’. “تتذكر” حوارها مع جاراتها حتى توقفت الحافلة “ص 61 حيث تنتهي الحكاية الثانية بدخولها الحافلة وتبدأ الحكاية الثالثة -صفحة 61″ فتح السائق الباب ” تعلن عن ‘باري’ .
تعارض الحكاية الثانية و الثالثة له مقصدية وهو أن الجالية يتجلى فيها الضرر كما يتجلى النفع . وذلك من خلال موقف ‘باري’ من المهاجرين “..أنظري وراءك .. وشاهدي من في الحافلة في هذا الصباح الباكر..صباح يوم الأحد..اسألي نفسك إلى أين هم ذاهبون..إنهم مثلك ذاهبون إلى العمل..” ص63
‘باري’ السائق تعلم بسرعة اللغة النرويجية، وحصل على وظيفة واتجه إلى الضمان الاجتماعي ليرد لبلد النرويج النقود. وعندما حصل على الجنسية النرويجية. التحق بالتجنيد المدني.
الساردة تلعب بمهارة وذكاء داخل النص السردي القائم على تشاكل وتعارض مدهش . وهذا ناتج عن ثقافة واسعة جعلت الكاتبة خبيرة بقضايا الهجرة. والشيء الذي له قيمة في هذا النص السردي . هو أن الكاتبة تجاوزت الذات الأنثوية التي تأسرها الجغرافيا والأسوار المصطنعة. وقاربت واقع المعيش اليومي ،لخلق حوار بين الشغل والكسل. برؤية إنسانية كونية.