الشاعرة تغريد بو مرعي/البرازيل
هَل جلستَ يومًا مَع اللاشيء !
هَكَذَا وجهًا لِوَجْهٍ ، أصابعكَ تَنْقُر عَلَى حافّةِ مَلاَمِحِهِ ، وَهُوَ فِي غفلةٍ عمّا تَفْعَل ! ؟
هَل نظرتَ يومًا إلَى فَمِهِ الْفَارِغ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِدُونِ صَوْتٍ وأنتَ كالأبله تَسْتَمِع وتستمع دُونَ أَنْ تَفْقَه ما يقول ! ؟
لِنفترِضْ أنَّكُمَا جَلستُما فِي وَقْتٍِ مَا ، فِي مَكَانٍ مَا ، لِنفتَرِضْ أنَّكُمَا فِي لَوْحَةٍ لِبِيكاسُو ، هُوَ عَلَى يَمِين اللَّوْحَة وَأَنْتَ عَلَى يَسَارِهَا ، هُوَ مِنْ مَكَانِهِ يَدْعُو مِنْ دُونِكَ ، وَأَنْتَ تَنْظُر مُسَخَّرًا فِي جَوِّ السَّمَاءِ .
وَفِيمَا أَنْتُمَا عَلَى هَذَا الشَّكْلِ ، تَتَوَقَّف عَقَارِبُ السَّاعَةِ فيختفي الْوَقْت ويختفي الْمَكَان !
كأنَّكُما فِي عُهْدَة السَّرَاب ، و يْكَاَنَّهُ أُوحِيَ إلَى الْغَيْبِ أَنْ اتَّخِذْ مِنْ الْمَكَانِ آيَةُ لَيْلٍ .
لَا أَلُومُكَ ، رُبَّمَا أخذكَ فِي دَوَرَانِهِ الإِهْليجِيْ ، كَذَلِكَ لَا أَلُومُهُ ، هُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ دائمًا دُونَ قَصْدٍ وَدُون سابِقِ إِنْذارٍ !
لَو تحدثُ مُعْجِزَةً مَا ،
بعيداً عَن الخُرَافَة وأساطِيرِ الْأَوَّلَيْن ،
لَو يَتَوَقَّفُ الْوَقْتُِ قَبْلَ توقُعاتِ المُنَجِّمِينَ ،
لَو تتصادمُ الْأَفْلَاكُ وَالْكَوَاكِبُ خارجاً عَن مقياسِ رِيخْتِر ! ! !
لَو أُغْمِضُ عَيْنِي فَقَط ، وَلَا أَرَى اللاشيء فِي اللاشيء !
لَرُبَّمَا يُنجِبُني الزَّمَكان مَرَّةً أُخْرَى ، فَأَكُونُ آيَةُ النَّجَاةِ وَالْخَلَاص ! !
لَرُبَّمَا نُعِيدُ تَشْكِيل السَّمَاء بِنُطْفَةٍ مِن أَمْشَاج ، وَنَتَمَسَّكُ بِحَبْلٍ سِرِّيٍ يُوصِلُنا إلَى السّديِم ! !
لَوْ قَدَرَ وَنَام جَوْفُ اللاشيء ، وَلَمْ يَصْحُ كَمَا أَهْل الْكَهْف ، لَو يَغْرَق كَمَا غَرَقَ قَوْمِ نُوحٍ فِي الطُّوفَان ! !
لَو يَحدثُ حُزْنٌ مَا وَيُنقِذُ تربتي مِنْ الْخَوْفِ وَالْقَلَق ! !
ثمَّ بذريعةِ الْمَوْت ، ينهال الشَّيْء عَلَى اللاشيء ، وَيَمْلَأ ثُقُوبُ الْفَرَاغَات ، ويموتانِ مَعًا فِي رقصةٍ جنائِزِيَّةٍ .
وَكَي تَطْمُرَ هوّة الْمَوْت ، تَخْلَع لِبَاسُ اللاشيء وتمزق رِدَاءَه ، وَتَهِيمُ فِي حَنْجَرَةِ الصَّمْت ، فتتمزق الْسِنَةُ الشَّرَايِينِ وتترنّح الْمَسَافَات بَيْنَكُمَا !
فِي لَحْظَةِ سَرَابٍ ، قَد تختلي بِهُجْرانِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ، قَد تَمُوت سِتُونَ قبرًا وَتَتَسَاقَط فِي صَحْرَاءَ جَدْبٍ !
تُحاوِلانِ التَّمَسُّك بشعرةٍ مِنْ حَدِيثٍ مُبْهَمٍ ، أَو بِجَديلَةٍ مَنْ صَمَتٍ هَارِبٍ ، أَوْ بِطَيْفٍ مِن أَطْيافِ الظِّلّ !
تَسْقُطَانِ معًا ، تَتَساقَطانِ معًا ، يُلاحِقُكَ وَتُلاحِقُهُ ، كَأَنَّهُ مَفْتُونٌ بِكَ وأنّكَ مفتوقٌ مِنْ فِتْنَتِهِ !
تَتَجادَلانِ معًا ، تَطْرُقانِ السَّمْعَ لِهَفْوَةٍ نَزِقَةٍ ، يُجِيد الطَّرْقُ عَلَى بَابِ نبضِكَ ، وَنبضُكَ لَا يُجِيدُ غَيْرِ طَرْقِ الْفَرَاغ !