الشاعر صالح أحمد (كناعنة)
لا أُفْقَ للمَسجونِ خَلفَ ظُنونِهِ.
لا شَمسَ تُشرِقُ في بِلادٍ أَجمَعَت
كَيدًا لِتَجعَلَ سِرَّها في بِئرِها
والبئرُ في قَفرٍ فَلا سَيّارةٌ
تَأتي، ولا ذِئبٌ مُقيمٌ.. يسرَحُ
الراعي وأغنامٌ خِماصٌ أجفَلَت
خوفَ الذِّئابِ، وما الذِّئابْ؟
سَأَلت رَبابٌ شتَّتَت “عَنّاتِها”
ريحٌ سَمومٌ ما ارتَقَت
يومًا على الجودِيِّ مِن فَلَكٍ، ولا
وجَدَت للفحَتِها مَكانًا تَستَثيرُ بهِ مشاعِرَ هاجِرٍ،
آوٍ إلى جَبَلٍ، وقِبلَتُهُ عِتابْ.
رَمِدَت عيونٌ ما رَأَتْ
طِفلاً يَلوذُ بِخَيمَةِ الأَغرابِ، والمَرعى بَعيدٌ، والرعاةُ تنازَعوا
حُلُمًا، وكانَ بِضاعَةً
سِرًا وجَهرًا، والصَّحارى الزاحِفاتِ على ملامِحِ صَمتِها
سَكَنَت مَرايا أَمسِها،
فإذا الكلامُ يَنالُ مِن شَرَفِ الكَلامْ
وإذا الرياحٌ تَضِلُّ في بَحرٍ؛ فلا جِهَةٌ، ولا مَهوى لها…
وإذا الغَرامُ يِفِرُّ مِن قِصَصِ الغَرامْ.
خُذْ للنَّخيلِ سَلامَنا يا بَحرُ، واحمِلنا إلى
رَملٍ بلا عَطَشٍ، وقافِلَةٍ بلا
سِرٍّ، وسِرُّ البئرِ لا يَخفى، فهل
مِن مُكرِمٍ مَثواهُ؟ سافِر يا صَدى…
واحمِل رسالَةَ عاشِقٍ مَلَّ الرّحيلَ بِعِشقِهِ!
ضاقَت بما رَحُبَت عليهِ حِكايَةٌ
كانَت هَوى بَغدادِهِ ودِمَشقِهِ…
مَنذا يُعيدُ يَمامَةً هَجَرَت مَزايا أُفقِهِ…
والبحرُ يَأبى أَن يكونَ مَدًى لِوَقعِ خُطاهُ فَوقَ شُقوقِهِ؟
ذَهَبَت بَعيدًا، فَالأساطيرُ انتَشَت
لِتَعودَ سيرَتها على أَكتافهِ،
غَزَلَت ثِيابَ فُصولِها
وبَنَت عُروشَ مُلوكِها
مِن سالِفاتِ دُخانِهِ…
والبيدُ تَفزَعُ من مَنافيها، وتَسكُنُ في حَجَرْ.
ماتَ الصدى!
والحلمُ إِنسانٌ يفتِّشُ عَن ملامِحِهِ ليزرِعَ لَونَها
أُفقًا، وحَرفًا أَرضَعَتهُ شِفاهَها
أمٌ ملامِحُها نِداءُ الروحِ مِن كَهفِ الغِياب.
ADVERTISEMENT