إبـــاء اسماعيل
للمدُنِ ملامحها ونكهاتها
ولِخُطايَ في طُرُقِ الغربةِ ومدائنها ،
سِحْرُ القصيدةِ ونزف جروحي الغزيرة من أوجاع السنين ..
ومحطاتُ الغربة تأخذني إلى مقاهٍ جميلةٍ
ومدنٍ من النكهات تحمل نكهات المدن الرائعة التي لم أزرْها من قبل ..
على مسافة ساعة من مدينة فيلادلفيا الأمريكية ،
دخلتُ مطعماً مغربياً جميلاً
جذبتني اللوحات المعلّقة على الحائط والقطع الفلوكلورية القديمة من سجّادات صغيرة مزخرفة معلّقة على الحائط وأباريق شاي وفناجين نحاسية ترتدي ثوبها المغربي الجميل في صينية فضّية أنيقة ..
كنتُ جائعة ، ولكنّي كنتُ أتطلّع بفارغ الصّبر إلى فنجان شايٍ مغربيٍّ بعد الغداء كخاتمة لرحلتي الطويلة ..
بعد تناولي الطعام ، طلبتُ ركوة شايٍ مع أحبّائي الذين اصطحبوني في هذه الرحلة،
كُنّا نتناول أطراف الحديث وكيف أنّ المطاعم العربية في الولايات المتحدة تحمل ثقافاتها ونكهاتها ..
أتعلَّقُ أنا بالشّاي بنكهة الياسمين لأنَّ دمشق تفوح بعرائش الياسمين من قمة رأسها إلى أخمص قدميها !!..
ومراراً كانت ضيافة أصدقائنا من العراق والباكستان في أمريكا مُطَعَّمةً بنكهة حَبِّ الهال المغلي مع الحليب .. حتى يصبح الخليط ذا مذاقٍ سِحريّ .. يدخلُ إلى جوف الفم ويخترق الحواسّ ومسامات الرّوح ..
وللشاي بطعم الليمون والزنجبيل والقرفة فريق إنقاذٍ لي من نوبات البرد والانفلوانزا في شتاءات ميشغن القاسية ..
* * *
طال انتظارُنا ، أحسستُ أنّه استغرقَ ساعات وأنا أنتظر إبريق الشاي المغربي
” عشِقيَ الجديد ” وبنكهةٍ جديدة لا أعرفُها .. !!
اعتدنا مع الأصدقاء العرب هنا في الولايات المتحدة على عبارة مُحبَّبة ولطيفة تقول: ( عازْمينكم على كاسة شاي) وعندما نحضر ” العزيمة” على كأس الشاي، فإذا بها سهرة رائعة تمتد إلى ساعات متأخِّرة من الليل ويرافق الشاي أنواع الحلويات العربية والأمريكية .. نتحدّث عن همومنا ، و أفراحنا القليلة ومستقبل أولادنا وأوطاننا وجراحاتها ويدور الحديث مع كؤوس الشاي الدائرة ..
حضَرتْ أخيراً النّادلة المغربية الشّابة بصينيّةٍ فضِّية أنيقة وعليها الابريق القضّي وفناجين الشاي .. لم أتذوّق الشاي المغربي من قبل ، ولكنّي كنتُ أتوقّعُ أن يكونَ مميّزاً ، وإلّا لما كانت اللوحة معلّقة على الحائط بإبريق وفناجين فضيّة تُعلِن بثقة وجمال عن نفسِها كعلامة فارِقة في الثقافة المغربية الاجتماعيّة ..
سكبتُ فنجاني الأوّل وكانَ مُحلّى بالسُّكَّر ..
في الواقِع أنا أشرب الشاي وكل أنواع المشروبات الخالية من السُّكَّر .. وتذكّرت أنّه في حفلات الشاي في دمشق وبيروت يفعلون الشيء ذاته.. إبريق كبير من الشّاي الفاخِر يطلقون عليه ( أكرك عجم ) والجميع يشربه محلّى بالسُّكَّر الوسط ..
كانت النكهة رائعة ، وكأنني أتناول نوعاً من أنواع الحلويات “المشروبة” شاي بالحليب وبنكهة النعناع المميّزة !!!
سكبتُ فنجاناً ثانياً وثالثاً حتى خِلتُ بأنَّ قدَمايَ قد طارتا بي عبر البساط السِّحري وعلى أنفاس الشّاي السِّحرية إلى مقهى” الأوداية” أو ” باليما ” أو ” الفن السابع” أو ” لاكوميدي” ولم أكُن أُريدُ أن أستيقظ من هذا الحلمِ أبداً !!..