بقلم: أد / أحمد بقار جامعة ورقلة / الجزائر
محمد الكامل بن زيد أديب شاب مخلص لفنه ، يكتب لا يريد سوى إرضاء ذائقته الفنية ، ويروم رسم عالم جميل يحلم به مثلما يحلم به كل حر ، حاله مثل حال كل فنان مخلص مثله يتألم في صمت ، غير أنه لا يركن لآلامه التي ما تني تكبر و تزيد مع توسع الشرخ العربي الذي يتلقى في كل يوم أهداف الخزي و المهانة ، و المثقف الواعي يتلقى الحسرات ، و لا يملك سوى قلبه المتقد و فكره الثاقب و قلمه الوثاب ، و يصبر و هو يلاقي العنت في ذلك .
محمد الكامل بن زيد تستهويه الخاطرة ، و القصة و القصة القصيرة جدا ، و المسرحية في مشهد أو مشهدين ، يحب أن يعتصر الفكرة في سطور فيما يشبه ما نسميه عند الشعراء ؛ القصيدة الومضة ، و هي ميزة العصر الذي يهتم بضخ كثير معنى في قليل لفظ ، يعيش الواقع العربي و العالمي لحظة بلحظة و يسكب فيه من روحه .
جاء هذا المقطع القصصي القصير يحمل كلمة واحدة ، عنوانا فردا نكرة ( وحشية ) ، و العنوان عتبة مهمة لولوج عالم النص ، و هو في العربية مأخوذ من مادة ” عنن ” و ” عنى ” بمعنى الظهور و الابتداء و كذلك الاعتلاء ؛ لذا يبدو العنوان على قلته و ضحالته نصا موازيا ، و يحدد عبد الفتاح الحجمري في كتابه (عتبات النص، البنية والدلالة ) قواعدا و أسسا لتحديد مختلف العلاقات التي تحكم متن الرواية وعنوانها و غلافها و كاتبها و كذا متلقيها و أثر الناشر و النقاد المعلقين عليها، فيقول : « القاعدة الأولى: وتقف عند المظهر التركيبي للعتبة من حيث قدرتها التمثيلية على احتمال شروط الإنتاج النصي وبدائله، إنها قاعدة تنظر إلى العتبة في إطارها العام كنص مواز لسياق العمل الأدبي والنقدي والفكري.
القاعدة الثانية: وتعتبر العلامة النصية علامة تضمينية تحقق نوعا من التجاور والتحاور بينها وبين بقية مكونات هذا العمل أو ذاك ، والتضمين مقترح مركزي يستفاد منه تفضيل الحديث عن جملة من المقدمات التي تحقق نوعا من التحليل السياقي الذي يجعل من العتبة بنية نصية ضرورية لإنتاج المعنى .
القاعدة الثالثة: وتعرض لها خاصية القراءة المتعددة التي ترتبط بتوظيف العتبة باعتبار سياقها النصي أو النصي الموازي المنفتح على مقاصد المؤلف وإمكانات الكتابة » ، و إذا جئنا نتعمق هذه الكلمة ( وحشية ) فإننا نجدُ تَرُبُّعَهَا عُنْوَانًا لهذا المقطع يشي بالكثير ؛ فالوحشية وحشية تعرفها كل البشرية في الأرض كل الأرض ، هي هي من دون مساحيق و إن تعددت تسمياتها ، و اختلفت دلالاتها ، و الوحشية قد تكون على النفس و ينعكس أثرها على الجسد ، و قد تكون على الجسد و تهز النفس و تترك فيها وشوما لا يمحوها الزمن ، يعالج هذا النص مشكلة الاعتقال العشوائي ، و القتل بدم بارد فيما يشبه رحلة صيد للترفيه ، و قد تكون الضحية بالخطأ ، و لكنهم يضعون الجميع في سلة واحدة و يعبر عن ذلك الضابط بقوله في آخر المطاف : ” حشرة أخرى تم القضاء عليها ” ، و يعضد العنوانَ المعجمُ الشعريُّ الذي يصبُّ الكثيرُ منه في دلالته : ( لعلع / ارتاب / عبس / فزع / تقدحان / شرر / قاتلة / المتهالك / السقوط / هول / زلزل / يسرقوا / حزينا / متقطع الأنفاس / انتفض / هاربا / حشرة / القضاء / يتهدم ) ؛ و بهذا يتضافر العنوان و النص في شكل لحمة في تغذية الدلالة ، و لكن بدا لي أن العنوان سيكون لماحا أكثر ما لم يفصح بهذه بهذه اللفظة ( وحشية ) ، و استعاض عنه ب ( سواد أو مجوس . . . ) أو غيرهما ليأخذ المتلقي كل مأخذ ، و يتركه يبحث عن مغاليق النص .