عبدالله شبلي استاذ اللغة العربية كلميم المغرب
اغتصاب !
شكرا لك اذ..
اغتصبتني باسم
الحب فجأة..
أعددت لي القبر سلفا
وأنا أكتب في..
حبك القصيدة.
قتلتني..
دون سابق انذار.
أولست أنثى ؟
أنت مجرد حواء
كافرة بالحب..
وبالانسان فيك.
لماذا ؟
يا حسرة !
كنت وردة الوجدان
أحب كل ما..
فيك وكما أنت
حتى اخر قطرة.
وعيناك يا حوراء
كانتا عنواني!
والآن سأنساك
لأنك لم ترق
إلى مستوى
امرأة تليق
بمدرسة الحب
كما هو في
الكون عند
الله والانسان
محمد الزهراوي أبو نوفل
* مقدمة
هو الإغتصاب إذن ذاك الذي اعتاد المتلقي أن يسمعه ممارسا من طرف الآخر – الذكر ضد المتحكم فيه الآخر الأنثى ، لكنه هنا مع محمد الزهراوي أبو نوفل بتجربته الفذة المتميزة مع المرأة يغدو اغتصابا في حق الرجل الذي من المفروض أن يكون مهيمنا فكريا عاطفيا وسلطويا أيضا فكيف استطاع اللفظ هنا ( اغتصاب) أن ينزاح كل هذا الإنزياح اللانهائي ، أن يتفلت تماما عن المنتظر ، أن يتخلق من جديد ليؤسس أفق انتظار جديد غير عادي مع أبي نوفل ؟
وكيف استطاع الزهراوي الشاعر- الإنسان الغارق في الحب والهيام منذ ابجديات قريضه إلى نهاية سطوته اللغوية أن يخلق من هذا اللفظ معاني ومباني جديدة تؤثت قصيدته الجديدة العامرة بالتشظي والتفتت حد التلاشي والموت والإنمحاء والإندثار ؟
* اغتصاب باسم الحب : هو عادة هكذا يبرر الإغتصاب ، بمعانيه المتعددة فاغتصاب الرجولة لا يعني أبدا فقدان الرجولة كما يتوهم المتلقي العادي ، فالدلالات بعيدة هنا عن معاني الفحولة ، بل تتعدى مقصدية الرجل ذاك المعنى إلى المقصدية الروحية والفكرية خاصة ونحن نمتلك روح الشاعر الصديق الزهراوي الذي خبرناه عن قرب شاعر شفيف ونقي السريرة ، بل هو خلق ليشعر ( بالفتح طبعا) ويشعر ( بالكسر طبعا) فروحه الزجاجية لم تكن لتوجد إلا لشاعريته المتفردة ، وهنا اتحدث عن الشاعرية بمفهومها الوجداني ، باعتبارها ضميرا جمعيا يترجم خلجات النفس الملتهبة أو المتهيجة والمتقرحة أيضا ، سمها ما شئت ، إلا أن تبعدها عن وسم ” المشاعر ” .
بهذا المعنى يصير ” الإغتصاب ” فقدا للإرادة الحرة التي تعمر في أوصال الشاعر ، قد يولد تبعية للمرأة لكنها تبعية تجسد حبا راقيا رائقا وصادقا ، لكنه لا يلقى قبولا، بل يواجه صدا ويصادف تمنعا ، لذلك فمقصود شاعرنا الشرقي المتشبع بشمس المغرب وهواء بحرها المنعش أن يجد هذا الصب بغيته لدى الآخر ، فيولد اشراقا وينتج انتعاشا ، وهو ما لا يوجد والحالة هذه ، فصار الحب اغتصابا للرجولة دون صدى يرجع استبدالا و تقابلا ، و ما أصعب اغتصاب رجولة الشاعر المحب! ، فلتسألوا محمد الزهراوي ،حين تغتال رجولته شعرا ؟
* تيمة الكفر بالحب والإنسان : لاشك أننا نعلم جميعا أن الكفر في أصله انما يحيل على الجحود ، وحينما يلتحم الكفر مع مفردة الحب ، يصير انكارا للآخر هذا الذي يبادلك الحب ، لقد اسكنها في عينيه ، وأحب فيها كل شيء حتى آخر قطرة ، هي الرمق الأخير ايضا حتى وهو مسجى على فراش الموت يحتضر ، فكانت عيناها عنوانا له حيث تتبدل العناوين عادة وتتغير الدور والمنازل ، لكن عين الحبيبة عندما تكون عنوانا فهي المستقر وهي الحضن الذي لا يستلذ المقام إلا فيه ، وهي عينه التي يبصر بها فلا ضوء ولا نهار إلا بعيني حبيبته ، فهو لا يبصر إلا بعينيها ، ولا يقيم إلا فيهما ، وفي ذلك إحالة على المتداول الشعبي أيضا حين يتداخل القريض مع المأثور الاجتماعي ” حيث يقال يا نور عيني ، أو من عيني ، دلالة على خدمة الآخر – المحبوب أو القريب ”
لكن هذا الحب كله الذي تجلت فيه أعلى قمم الإنسانية ، وأرقى صور التفاني التي تنهل من معجم ثراتي دسم يتماهى فيه الزهراوي مع قيس وغزلياته ، لم يجد سوى انكارا وتخليا وجحودا ، فغدا كل ما يتلقاه كفر بالإنسانية ، فليتك يا محمد وقفت عند الكفر بالحب ، ولم تعضده بالكفر الإنسانية ، فقد خلعت عن المحبوبة إزار الستر ، ثوب الإنسان ، فاستطعت ببديهتك المتواترة أن تجعلها مغتصبة ( بالفتح) بعد أن كانت مغتصبة (بالكسر) . هو ذا دهاء الشاعر الذي يحسنه ولا يحسنه غيره ، بالله عليك كيف استطعت أن تنجو من الإغتصاب الذي اعترفت به بكل أريحية وبدون مواربة في مطلع قصيدتك وتلصقه بغيرك في لفتة انسانية بديعة ؟
هذا الكفر بالإنسانية الذي ألبسته المحبوبة ، هو لباس عار يجردها من أرقى الموسومات البشرية ، التي تجعل الإنسان متفردا ، إنها كل الصفات الخصيصة والجميلة ، ولعلها أنبلها : الحب ، فكيف يؤنسن الحب الإنسان ؟ وكيف يمكن أن يجعل الحب الإنسان انسانا ؟
* خاتمة : عندما تكون المرأة لا تليق بمدرسة الحب
هكذا عودنا الزهراوي دائما هو يحب بعمق ، يحب بصدق ، لكنه لا يحب كما يحب الآخرون ، لأن له في الحب مدرسة ، هو يريد حبا من نوع آخر ، حب يسطره ناموس إلهي ، يصادق عليه قانون إنساني.
لذلك يقرر الشاعر في النهاية النسيان ترياقا أو بلسما شافيا ، لأنه لا يريد تلك الغواية النسوية ، أو حواء كافرة بالحب ، تتنكر للقيم وتحارب الإنسانية ، إنها مدرسته الخاصة شيدها ليدخلها المتوسمون بسمته ، بعد غربلة وتمحيص ، فلا حب عند الزهراوي دون التزام بتعاليم السماء فهي التي علمتنا كيف نحب. ولا حب عند أبي نوفل دون أن نسدل على المحبوب خمر الإنسان أن نلبسه ثوب الخصال الحميدة ، ما به يسمو الإنسان ويتسامق ، ما به يحقق فرادته وتميزه عن غيره من المخلوقات.
إنه الحب من أجل الحب ، إنه الحب الذي يولد الحب وينشر الحب .