الناقدة والشاعرة التونسية هدى كريد
قصبدة ” فوضى واغتراب “
لم تكن المرآة إلا أنا
وبعض ملامحي تنكسها الظلال
تمنيت ألا تنضح فاكهتي
وأن لا تُسرق مني حكايتي.
ماذا عني وعن مهرتي ؟!!
وماذا لو ملأ النبيذ صدر غيمة،
وأن اللقاء عرس يمامة في شهر نيسان.
ماذا عني !!! وعن الأبجديات والوميض على صدر الأغنيات !!!
كم أنا ثمالة ونبيذ ورشفة ليلي الشريد !!!
أراني في أعناق النايات وصهيل الخيول،
دمعة باردة على ناصية القمر.
لا أبصر غير النوارس على جبين المساء
وشاعر يحرس حجلتي في صدر الغياب
قصيدة تمددت ترتجل البقااااء.
أملأ عيني بالملح وأعثر على ظل غائب،
أرى النهر والبحر وشيئا من الحلم
ومحارة ترتب سريرا ومسيرة فوضى واغتراب.
لا أسمع سوى صهيل الناااي …
أحتضن لسعة الفجر لتغمرني الفصول كاملة،
أشهد ليلي في غدي،
ونورس ينشد العطر المقطر من عيني …
أصدق مساءاااتي وأرفع صهيل واحة بصبر الصحراااء.
ليلي أنا و أنا هذا الليل،
رقصتي وهزي الخفيف …
وهوس سكر والجنون.
وها هي امرأة ومرآة أناااا
من مرقدها قادمة تهز ليلي
ولروحي الهادئة ألف سلاااام.
قصيدة ترتجل البقاء وشاعرة ترتّب فوضاها في تغربية العالم .
العتبة مترافدة مع المتن معبر مقدّس إلى الذّات والمرآة القرين ،صمت ضاجّ وصوت يبتلعه العدم.وجود يرتسم في منتصف المسافات .العنوان جملة مفخّخة ليس لها من مسالمة اللّغة غير تواشج المركّب العطفي،ينقضّ على الهدوء ويحرّك البحيرة السّاكنة بشراسة ، في قرارة العطف انعطاف نحو المحنة هناك تعادليّة الحياة والموت والانتصار والهزيمة ،لانموت ولا نحيا ،لا سقوط ولا انتصار. وما أصعب هذا المابين.
تطالعنا الذّات اعتصارا في صميمها وابتهالا في حضرتها ،نقف في عمق ابعادها بعزم منها لايني يحاكيه أسلوب خبري يحمل ما لا يحتمله التّحديق من تصديق،ذاك الحصر يجعل المرآة معادلا موضوعيّا لها تتناسل فيه معادلات أخرى يمامة تزهوفي خصيب الشّهور وغيمة تراقص الأحلام فوق شراشفها ومهرة جموح كبرت بغير أوان ومحارة ترتّب الأشياء داخلها وحولها .فلا تفهم نواميس الصّورة الشّعريّة المتعالية بداهة على المعقوليّة إلّا بتناسباتها وانظمتها التخييليّة الدّاخليّة.لقد خلق الإسقاط النّفسي كثيرا من المعادلات الموضوعيّة لما هو ذاتيّ حتّى أنّ اللّيل عبرالمركّب الإضافي لها دون سواها والغد متّصل بها وحدها “ليلي في غدي” ، لأنّ القصيدة انفلاتات إليها ،معاريج في خضمّ الخلجات من القهريّة إلى الطّهريّة،طريق صوفيّ في لألائه يُنار الوجود بأشواكه.من هنا تجيش النّفس بمكاشفتها وترجم اللّغة السّكينة ببراكينها مساءلة وتعجّبا وتمنيّا،”ماذا عنّي وعن مهرتي
وماذا لوملأ النّبيذ صدر غيمة”
أسئلة حيرة وتحسّر وبريق أمنيات ،علّها تكتب الحياة كما تشتهيها، حبّا ووميضا وترنيمة على وتر الحلم ،ركضا ابديّا لمهرة لاتشيخ، ونحن معها في تطواحها ،تتهدّج أنفاسنا لهاثا وراء المعنى في هذه النّثيرة ويموت السّؤال في الضّجر واليأس مشاكلين التّوقيع الرّتيب في أجراس اللغة وتواتر ذات النّسق من خلال التلازم القسري الذي تنتجه الإضافة تلك الرّتابة المقصودة في مستوى الإيقاع الدّاخلي كفيلة بالتهام كلّ شيء بمافي ذلك الجدّة والجمال مثلما تئد تجارب الابطال وهم يقارعون الحياة في النّصوص الذّهنيّة فلاينفع انس ولاوحشة ولا تصوّف
ولاحسّ أباهريرة في نصّ محمود المسعدي وكذا الذّات التوّاقة إلى السّلام والطّمأنينة تنشد ولا تدرك ، وقد يحيا الأمل في غلمة الرّؤى”أراني في أعناق النّايات وصهيل الخيول…
أرى البحر وشيئا من الحلم”
من شقوق الرّؤيا تلتقط مسارب النّور وتذوب في العتمة في ذات الوقت.هناك لاحدّ بين المتضادّات ،تنصهر في وحدة مدلوليّة ،هزّ الخصر كانتفاضة الذّبيح ،الضّلال في منزلة الحقائق السّاطعة ،لافرق بين موت وولادة ولا بين ملح وعطر والأهمّ تتوحدّ الذّات بمرآتها ، نرسيس تأنّث في لغتها الذائبة عشقا لأناها ،ضمير تمحّض للمفرد مهما ادّعى اتّساعا، محور الكون والقصيدة في ضمير المتكلّم أوساع الذّات تكتب جراحها واوصابها ولذّاتها وفق حركتي الاسقاط والاستقطاب.بالأولى يغدو العالم الوجه الثّاني للأنا مثل اللّيل الشّريد .واستنادا إلى الثّانية ينسرب الكون إلى المتكلّمة ،يقطّر عطره في عينيها وتحتضن بقلبها جماع الفصول، ففي أعراف الصّورة استعارات مكنيّة كصدر الغياب أوصهيل النّاي تحتشد لتذيب الحدود بين الأشياء، للنّايات أعناق وللأغنيات صدور ،صور جزئيّة تتواشج صانعة صورا كليّة تنزع إلى التّجسيم في اصطفاء الفاكهة والنّبيذ والسّريرحتّى يكون التّجسيد متعالقا مع التّجريد حين ترسم عالمها العلويّ محلّقا بجناح غيمة أواغنية.شاعرة تخلق لغتها وتسوق رؤاها لعالم لايخرج عن ملامحها ولا يشذّ عن ماهيّتها المزدوجة .هي وهو صنوان .وإنّ حركة الائتلاف تجعل النصّ على التّماس بين الرومنطيقي والصّوفي ، وفي مفترق الطرّيق كذلك بين العاطفي والوجودي.،نصّ لاذ بمافي الذّات والإنسان من تغريبة طاحنة.بين العواطف عواصف ،وفي التّرنّمات الحالمة وعي السّؤال الحارق.وفي اعطاف الكون الشّعريّ دهشة متكرّرة تحدث من تفاصيل مألوفة ومتعاليات نصيّة من شأنها أن تضاعف ابعاد النصّ القابل و تتشكّل في لحظات من الإشراق الرّوحي الرّوحي من قبيل سكرة الوجد والوجود المموسق والعوالم العلويّة الشّفيفة. شعر رؤيويّ يعزف لحنا خاصّا ويمتشق اللّغة على طريقته لتمسّد الحروف الأرواح المكدودة فينا وفيها.