بقلم زينب الحسيني .
النص : قصة قصيرة
الغرق على اليابسة.
رأيت جموعاً غفيرة من الناس تزدحم على باب السينما, بحثت عن ملصق الفيلم, فرأيت صورة كبيرة ملوَّنة تمثل سفينة ضخمة تغرق في عرض البحر, وقرأت اسم الفيلم المكتوب باللون الأزرق المتموِّج (إنهم يغرقون الآن ).
فقرَّرت مشاهدة الفيلم رغم أنني لم أسمع عنه سابقاً.
إلا أن الجموع الكثيرةتؤكد أن له شهرة واسعة , وهذا يعني أنه يستحق المشاهدة ..
تقدمت إلى بائع البطاقات, واشتريت بطاقة, ثم دخلت الصالة الكبيرة, وبحثت عن رقم المقعد, حتى عثرت عليه بصعوبة من شدة الزحام, وجلست مسترخياً, منتظراً بدء الفيلم , ولم يطل انتظاري وسرعان ما أطفئت الأضواء.
بدأ الفيلم..
.. مشهد يعرض, بحراً هائجاً تحت سماء متلبِّدة بغيوم رمادية داكنة أخفت النجوم وأخذت تحجب القمر وهي ترسل بمطر يشتد غزارة , ثم تظهر من البعيد سفينة تمخر عباب الأمواج المتلاطمة.
وسرعان ما تهب عاصفة هوجاء, وينفجر هزيم الرعد, فتثور الأمواج الهادرة عالياً, فتتأرجح السفينة على ضخامتها , وتتمزق الأشرعة,
وتتكسر الصواري, فيتدفق الماء إلى جوف السفينة المترنحة,التي بدأت أضواؤها تنطفىء تباعاً , فيسود الضطراب بين ركابها وتعم الفوضى.
بدأت أشعر أن قدميَّ مغموسة بالماء, فظننت أن هذا الشعور ناتج عن تاثري الشديد بالفيلم_ المشغوف بمتابعته_
وتجاهلت مشاعر البلل, وحاولت الانصراف كلياً لمتابعة الفيلم الشيق.
فجأة هتف صوت أجش, انطلق من آخر الصالة, طغى على أصوات الفيلم,
_الماء في كل مكان في الصالة!
أ‘قبه صوت نسائي , من الجهة المقابلة:
_ هل نحن أيضاً سنغرق؟
فتصاعدت أصوات لغط مع ضحكات متداخلة, من كل مكان في الصالة.
حتى صرخ أحدهم بجدية فرضت نفسها على الجميع:
_ أتكلم جادا!.. انظروا مكان وقوفكم جيداً.
وأكد آخر بصوت واثقٍ:
_ لنسرع في الخروج من هنا . أضاف أكثر من صوت.
فاندفع الناس بفوضى يريدون الخروج من باب الصالة, وهم يتدافعون بالمناكب, ويتبادلون كلمات غير مفهومة ,
ووقع الكثير منهم تحت الأقدام , وأصيب بعضهم برضوض وكدمات مؤلمة عبروا عنها بآهاتهم , ونزف من أنوفهم وافواههم . وبعد ساعات طويلة من من الفوضى باءت كل محاولاتهم لفتحالاب بالفشل, فتداعوا على الكراسي الموزعة بصفوف متناسقة , ولكن ليس لمتابعة الفيلم , بل للتعبيرعن الذعر الغريب:
_ الأبواب مقفلة بإحكام!
_ لنحاول البحث عن مخرج غير الأبواب.
_ هل توجد نوافذ؟
_ أو فتحات للتهوية؟
_ يجب أن نحمل بعضنا على أكتاف بعض ونحاول الخروج بأي طريقة.
وتتالت الأصوات الؤكدة :
_ هيا .. هيا..
فتسلقوا على أكتاف بعضهم, وتساقطوا تباعاً.
وعندما أنهكت أجسادهم, تهالكوا على الكراسي, يلهثون من شدة الإعياء.
حتى قال أحدهم قاطعاً الصَّمت المخيف:
_ لنحاول تكسير الجدران.
_ طالما لم نقدر على تكير الأبواب , فكيف سنحطم الجدران؟
اعترض شخص ما.
فرد عليه آخر وجد الاقتراح مناسباً :
_ سنخلع الكراسي ونضرب بها الجدران والأبواب, أيضاً.. علنا نحدث ثغرة ولو صغيرة لنخرج منها جميعاً.
_أجل .. أجل..
تصاعدت الأصوات المؤيدة للفكرة التي جعلت النشاط يدب بينهم.
فخلعوا جميع الكراسي , وكسروها على الأبواب والجدران, دونما فائدة ترجى, وخارت قواهم, ولكنهم لم يستطيعوا أخذ قسط من الراحة
بالجلوس على الكراسي, لأنهم حطموها كلها قبل قليل.ولم يقدروا الجلوس على أرضية الصالة لارتفاع منسوب الماء الذي يغمر رأس الجالس بقليل..
فظلوا وقوفاً يشتمون المجهول, بكل حقد.
حتى قال أحدهم:
الماء يتدفق إلى الصالة دونما توقف !
فسألت امرأة, وهي تيكي بصوت مسموع:
_ وإذا استمر الحال على هذا المنوال .. ماذا سيحدث؟
تجاهل الجميع سؤالها, كأنهم على اتفاق مسبق وأنصتوا للقائل:
يجب منع الماء من التدفق ريثما نجد مخرجاً.
وأكد آخر:
_ لنبحث عن منبع الماء قبل فوات الأوان.
فانتشر الجميع يبحثون في كل مكان, علهم يعثرون على الثقوب التي ينسكب منها الماء.
وبعد بحث طويل لم يعثروا على أي ثغرة.
_ فقال أحدهم بخيبة :
الماء يأتي من مصدر مصدر مجهول !
_ يأتي من ثقوب أصغر من أن تراه العيون أو تحس به الأيدي.
_ الضوء ضئيل أيضاً.
_ يجب أن نبحث عن حل آخر
هتف أحدهم بفرح لا يناسب الحالة:
_ إذا عرفنا من فعل بنا ذلك.. سنجد الحل بسهولة لم نتوقعها من قبل!
_ من المستفيد من إغراقنا؟
_ إن كنا نجهله فهو يعرفنا تماماً !
_ لا بد من وجود مخطط خبيث من وراء كل ما يحدث .
_ حتماً.. فالمصادفة في ظروفنا مستحيلة !
وتداعى الحوار الذي تشابكت تداخلاته بطريقة معقدة, وغير مفهومة للجميع تماماً, حتى قطع أحدهم الحوار بكلمته:
_ الشاشة!
فالتفت كل من في الصالة موجهين عيونهم المدهوشةبرعب نحو الشاشة التي تعرض مشاهد للسفينة الكبيرة وهي تغرق رويداً رويداً لترسو ببطء في قاع البحر المظلم ..
ولكن قطع لحظة المتابعة التي كادت تنسيهم التفكير بقدرهم المجهول, ذلك الصوت ذاته مؤكداً:
_ كيف غفلنا عن ذلك حتى الآن؟
فاخذوا يخوضون في الماء راكضين بأقصى سرعة ممكنة, نحو الشاشة التي ما زالت تعرض مشاهد الغرق, مع أصوات هدير الأمواج المتلاطمة,
وأزيز العاصفة الهوجاء, واستغاثات الغرقى التي لن يسمعها أحد, والتي تتجاوب أصداؤها في الصالة مع الانفاس اللاهثة والأجساد التي تخوض في لجة الماء.
وعندما اقتربوا من الشاشة.. انقطعت اصوات الفيلم, فخيم سكون مريب يبدده صدى غزارة الماء المتدفق إلى الصالة بصوت مسموع بكل وضوح, مع اختفاء صورها الملونة, فساد سواد دامس,
يقطعه نور واهن يخفت تدريجياً من الكلمة الباهتة التي أخذت مساحة الشاشة التي تتصدر الصالة…
… ( النهاية)!!!
قراءة لنص: “الغرق على اليابسة”
للأديب والروائي السوري الأستاذ سامر أنور الشمالي .
.
بقلم زينب الحسيني .
قبل أن أبدأ قراءتي للنص أرى من حق الأديب / الروائي سامر أنور الشمالي علينا أن نعرّف عن سيرته الذاتية المشرفة بسطور وهو الذي نال عدة جوائز من القاص يوسف ادريس في القصة القصيرة , ونال السنة الماضية جائزة عن روايته “خلف الجدران, تحت الشمس ”
_ السيرة الذاتية:
سامر أنور الشمالي من حمص .
_مواليد 1971.
_عضو اتحاد الكتاب العرب.
_عضو جمعية النقد الأدبي.
_ كتب في مجالات : النقد الأدبي, الرواية, القصة القصيرة, المسرح, أدب الأطفال.
نشر نتاجه في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية العربية منذ مطلع التسعينيات .
_من الجوائز التي نالها:
_ جائزة أولى , جائزة ( نبيل طعمة) في القصة القصيرة, سوريا عام 2008.
جائزة يوسف ادريس في القصة القصيرة . مرتبة واحدة مصر _2009. جائزة راشد بن حمد الشرقي , في مجال الرواية
المرتبة الثالثة عام 2019 .
_ مؤلفاته المطبوعة: ست كتب في القصة القصيرة.
_ كتابين في النقدالادبي .
_ ثلاث روايات هي :
سيرة ذاتية للجميع زدار الشمالي 2006
خلف الجدران تحت الشمس. _دار راشد للنشر_ الإمارات 2019.
_في المسرح: يوميات مواطن سابق _وزارة الثقافة السورية. 2017
_أدب الأطفال:
مجموعة من الكتب , احتوت على سبعين قصة, وصدرت عن دور نشر مختلفة
القراءة.
بدءاً من العتبة الأولى / العنوان ” الغرق على اليابسة”
” الغرق على اليابسة” ” جملة مستفزة, فيها مفارقة , فالغرق غالباً ما يحصل في البحر أو في المحيط , أو في اي مكان مائيّْ..
أما أن يحصل “الغرقٌ” وعلى “اليابسة” فهنا الغرابة!
“الغرق” على” اليابسة” جملة اسمية , المبتدأ فيها معرف ب”ال” التعريف, إذن هو “غرق” بالمطلق ودون استثناءات,
“على اليابسة ” جار ومجرور في محل رفع خبر . أيضاً كلمة “اليابسة” معرَّفة, وهذا يعني , أن الغرق عمومي, يطال كل من هم على اليابسة .
من هنا نستكشف أن المعنى المقصود بالعنوان, هو معنى مجازي, متخيل من قبل الكاتب , يحمل تداعيات وإسقاطات وتأويلات..
الموضوع:
النص مدهش مستفز , رمزي .
السفينة التي تغرق في الفيلم, هي رمز قد يكون لل ” الوطن ” أو الأمة أو حتى ” العالم”
فعالمنا اليوم”يغرق” في مشاكل البطالة والاوبئة القاتلة التي لن يكون آخرها وباء ” الكورونا”
ألا ترمز صالة الغرض , إلى العالم الذي نُكب بداء الكورونا والذي يحصد يومياً آلاف الضحايا,
لا عقاقير تفيد, ولا لقاحات منظورة في الأفق, والإنسان متروك لمصيره المجهول المحفوف ب”الموت”
الدول العظمى يقتلها “الغرق ” في التكالب على اقتسام خيرات العالم وافتعال الحروب العبثية المدمرة, التي بات الإنسان وقوداً لها أو قرابين تدفعها الشعوب هباءً.
في الوطن الواحد , “غرق” في أتون التنازع على السلطة, أوالتكالب على الإثراء غير المشروع من خلال الفساد والضرب بالقوانين عرض الحائط و سحق العدالة والحريات ..
إيحاءات الفيلم الذي تخيله القاص , يتمازج فيها الواقعي بالمتخيل تمازجاً عجيباً ,ففي الزمن الذي نشهد السفينة تغرق.. وتتكسر صواريها وتخترقها المياه الجارفة, يتصاعد منسوب المياه في الصالة, ليهدد جميع الحاضرين بالموت غرقاً, ومع هذا هم “يغرقون ” في جدال عميق رغم أن حياتهم في خطر .ولا حل لديهم يوقف زحف الموت المحتم…
القفلة ظلت مفتوحة على تساؤلات المتلقي وتكهناته , ليكون شريكاً في كتابة النص ..
الحدث في القصة :
_ نبدأ بعتبة الاستهلال:
يلفتنا العنوان ويستفزنا لنتابع بشغف الفيلم الذي يبدأ بعرض الحدث الدرامي / ” الغرق على اليابسة”
يبدأ الفيلم بمشهد إيحائي , فنحس من واقعية التوصيف كاننا نشاهد الحدث بأم العين,
” بحرٌ هائجٌ, تحت سماءٍ متلبدة بالغيوم, ” تهب عاصفة هوجاء ” فتثور الأمواج وتهدر
و”تتأرجح السفينة على ضخامتها ” , ” تتمزق الاشرعة” و”تتكسر الصواري”
التركيز هنا على “التكسر” والتشظي ” وما يحمله من تداعيات مجازية.
في الوقت ذاته , يبدأ تدفق المياه إلى الصالة دون انقطاع , فيحدث جلبة في الصالة ويحدث هلعاً وضجيجاً وتدافعاً بالمناكب ,
يدور حوار بين الحضور , و” يغرق ” الجميع بحوارات تصل حد التناقض وأسئلة مقلقة , محيِّرة لا أجوبة لها .
وينتهي الفيلم على” الشاشة” ويستمر تدفق المياه مؤذناً بغرق أو موت الحاضرين ..
ويبقى الحدث معلقاً , قيد التكهنات والتساؤلات ..
الزمكانية :
المكان هو الصالة ذاتها التي تعرض الفيلم “إنهم يغرقون الآن ” في زمن هو زمن عرض الفيلم , لكن هذا الزمن يستمر, لأن القصة لم تنهِ بانتهاء القفلة وانتهاء العرض. وهذه تقنية مقصودة من الكاتب سنأتي على ذكرها عند الكلام على الحبكة
الشخصيات:
يمثل الكاتب / السارد الشخصية الرئيسية في القصة , فهو العليم بالحدث منذ البداية حتى النهاية. الحضور في الصالة هم الشخصيات الثانوية التي تعرفنا إليها من خلا ل الحوارات وتعدد الأصوات , وقد اختار الكاتب الأصوات بدل الأسماء , لأن القصة القصيرة لا تسمح بتعدد الشخصيات كالقصة الطويلة أو الرواية , فلم يكن بدٌّ من هذه الحرفية التقنية ,
للتعبير عن تعدد الآراء وتنوعها في أرض الواقع . مما يعطي القصة غنى و ثراء أكثر .
الحبكة :
أصل كلمة”حبكة” هو من فعل حَبَك , حَبك الشيء أي شده شداً وثيقاً ,وحبك الأمر أي: أحسن تدبيره .
أما حبْكة القصة فهي الكيفية التي يتصورها الكاتب ليقدم الحدث للمتلقي , بتقنيات كأنها حكاية او نسيج , من خلال أدواته الإبداعية الخاصة وقدرته البلاغية والسردية على جذب وتشويق المتلقي .
والحِرفية والإبداع يكمن في الفكرة التي توارت خلف الموضوع الذي يقصده المبدع أصلاً , لتعود إلى الظهور في الختام أي في لحظة التنوير أو الانفراج .
حبكة هذه القصة رائعة مدهشة, مشغولة بنسيج محكم , وتوصيف يوظف التفصيلات للإيحاء والدلالة على الحدث/الغرق الذي يحمل
” بؤرة” النص.
البطل / السارد يتولى قص الحكاية من اولها بعد بدء الفيلم الذي هيأنا لمشاهدته الكاتب , هو فيلم يبدو مرعباً منذ البداية إذ يحمل عنوان” إنهم يغرقون الآن” وقد ذكرت بمعرض كلامي على الحدث, الجو العام , فمنذ بدْء الفيلم , نستوحي من عنوانه
بأنه فيلم مرعب , بعدها بدأ السارد / الكاتب بتوصيف البحر “الهائج” والغيوم المتلبدة السوداء , ثم العاصفة ” الهوجاء” التي كسَّرت الصواري والأشرعة ..
“سفينة تمخر عباب الأمواج المتلاطمة, فتثور الأمواج الهادرةعالياً , فتتأرجح السفينة على ضخامتها , وتتمزق الاشرعة, وتتكسر الصواري, فيتدفق الماء إلى جوف السفينة المترنحة, التي بدأت أضواؤها تنطفىء تباعاً, فيسود الضطراب بين ركابها , وتعم الفوضى”
بهذا العرض بدأ الكاتب يشحننا نفسياً وبشغف , ولفرط انفعالنا نحس واقعياً كأننا في قلب الحدث المتخيل .
بعدها يبدأ نسيج القصة على المستوى الواقعي , أي عندما يبدأ الماء بالتدفق التدريجي إلى الصالة , ويبدأ الصراخ والحوار بين الشخصيات بالأصوات , وهذه تقنية تحسب للكاتب , هي توظيف الأصوات بدل الاسماء لأن القصة القصيرة لا تحتمل لصغرها تعدد الأسماء أو الشخصيات .
الحوارات لاتنتهي :
_ لنحاول البحث عن مخارج غير الأبواب .
_تسلقوا على أكتاف بعضكم..
_لنحاول تكسير الجدران..
خلعوا جميع الكراسي وكسروها على الابواب والجدران, دون فائدة ترجى..
صوت امرأة تصرخ: إذا استمر الحال على هذا المنوال , ماذا سيحدث؟؟
ويستمر تدفق الماء دون انقطاع ..
_ الماء يأتي من مصدر مجهول..
_ من المستفيد من إغراقنا؟؟ سؤال وجيه يطرحه أحدهم.
_لا بد من وجود مخطط خبيث من وراء كل ما يحدث..
ويستمر الحوار وتتشابك الأسئلة دون إجابات , ودون خطة موحدة للبحث عن حلول تنقذ الجميع..
الحدث في القصة يسير متصاعداً على مستويين في آن معا:
المستوى المتخيل والمستوى الواقعي , ويحصل بينهما تمازج حقيقي على أرض الواقع .
إذ يتزامن هدير الأمواج والأصوات الهادرة على الشاشة, مع أصوات الحضوروهلعهم وصراخهم وتدافعهم بالمناكب ,
كل هذا يحدث تناغماً إيقاعياً في جو القصة العام ونحس معه كمتلقين أننا في قلب الحدث وأننا معنيون بكل ما يحصل , نحس بالحيرة والقلق حد الاختناق بحثاً عن الأسباب والمخارج, من الموت المحقق “اختناقاً ”
ومع مرور الوقت والثواني الحرجة , يزداد الحدث تأزماً وتنطفىء أضواء الشاشة الكبيرة معلنة “النهاية”
وتأي ” لحظة التنوير” ,
لكن الصراخ يتعالى, ويستمر الماء بالتَّدفق , وتنتهي القصة لتبقى خشبة الخلاص معلقة بأسئلة لا تكف عن التوالد
ولكن دون إجابات..
_بؤرة النص / القفلة :
تكاد تكون بؤرة النص في “القفلة” التي أرادها الكاتب أن تبقى (مفتوحة) ليشرك “المتلقي”
في طرح تساؤلات وإسقاطات وتداعيات بلا حدود.. لهذا الحدث الكارثي المتخيل/ الواقعي .
وكما يقول “رولان بارت”
” إن إمكانات النقد الراهنة تتمثل في أن الناقد , أصبح كاتباً بكل معنى الكلمة. ولا يستطيع النقد إلا أن يكون مكملاً للإبداع,
أي مجرد وجه من وجوهه, يماشيه طوراً ويتجاوزه طوراً آخر, لكنه يظل دائراً في فلكه أبداً , دون أن يفرض عليه وصايته الابوية, أو يزعم أنه صحيحٌ أو مزيَّف..”
وهكذا أقول , إن النصوص أياً كانت , أكانت شعراً أو قصصاً أم روايات أو إلخ.. لايحكم على نص ما بالإبداع , إلا عندما يحمل في طياته هموم الجماعة , هموم الإنسان في كل مكان, أما أن يبقى النص حبيس ذات الكاتب , فلن يحكم عليه بالإبداع بالمطلق , وسيبقى الإبداع فيه نسبياً..
بعدكل ما عرضنا , يبقى علينا ان نحكم على النص من ناحية الأسلوب, ونطرح سؤالاً وأكثر , إلى أي مدى نجح الكاتب من خلال اسلوبه ,أن يصل إلى فكرته الرئيسية أو هدفه من النص , وهل نجحت أدواته ولغته السردية في إيصال ما كان يصبو إليه ..
يقول “يوسف إدريس”
“إن القصة القصيرة مثل الرصاصة,تنطلق نحو هدفها مباشرة ولهذا يجب أن يكون العمل متماسكاً في وحدة عضوية شديدة, وأن يكون محكم البناء, وأن يمسك الكاتب بعناصر الكتابة جيداً, حتى يستطيع أن يفرغ على الورق ,كل ما يدور بداخله بدقة وصدق, ليضمن وصوله إلى المتلقي بسهولة وصدق,ولهذا يجب أن تكون البداية والنهاية والحدث , على درجة عالية من التكثيف والتركيز, وارقى صور الاختزال والتكثيف, هو الاختزال على مستوى اللغة”
لن أعيد استعراض اللغة من جديد,فقد استعنت بجمل وتعابير تبين جمالية اللغة وبلاغتها ومجازاتها وتلقائيتها , فالكاتب قد نجح تماماً أن يشحننا عاطفياً وينقل إلينا المشهد المستفز المرعب, لذا أحسسنا اننا نشهد تدفق المياه والضوضاء ونحس اننا نسمع الحوارات والعويل , أيضاً أحسسنا صفير الرياح والعواصف الهوجاء, وتبادر إلى ذهننا أننا نسمع تكسر الصواري وتحطم الأشرعة ..
وما الفائدة من لغة مشنشلة بالمجازات والاستعارات والخيالات, إن لم يحسن الكاتب أو المبدع توظيفها في خدمة الحدث أو الحبكة , وإن لم يختر من المدلولات والتعابير ما يشوق المتلقي , ويحفز احاسيسه وذاكرته الصورية , كي يصبح جاهزاً لتقبل وفهم الفكرة الرئيسية أو الهدف من القصة كلها؟
في الختام, أهنىء القاص المبدع الأستاذ سامر انور الشمالي , على هذه القصة المدهشة الرائعة , التي تؤكد أن الأدب الراقي الجميل, والملتزم بهموم الإنسان وقضاباه المصيرية الوجودية , ما زال بخير وألق .
يلفتنا العنوان.. ونتابع عتبة الاستهلال بشغف لنعرف المزيد ..