الشاعر والناقد التونسي فتحي الحمزاوي
النص:
وأعود..
كم إخال ذاتي
سفينة تائهة شريدة المحطاتِ..
غافلة عمن يحركها
كيف يجذبها؟!
يصرعها ثم يغويها
يداريها..
ولا يعنيه
مايصخب من الأنواء فيها..
تارة تعتلي زبد الموجِ
وطورا
تختفي في التيه أعاليها..
تواصل الطريق
لا تعرف بدءا لها
ولا كيف تنهيها..
تختفي الحدود أمام ناظريَّ
بين المرئي واللامرئي
بين الكلام والصمتِ
بين الظلام والضوء.
وأعودُ ..
لألوذ في أعماق ذاتي..
القراءة:
بين مشروع الحلم”إخال” و”نهايته”
“أعود”،تتموج القصيدة وفق لغة الوجودوهو يتردد بين المرئي واللامرئي…
الخيال يفتح عوالم ممكنة بلا عد،
رحبة بلا حدود..خاصة خاصة إذا كنا في عالم “الشعرية”
ولم لا يكون الشعر ال
“أكثر هيئات” في أشكال طرق الإقامة في الوجود..
على تعبير الفيلسوف الالماني “هيدجر ”
أولم تقرن المخيلة العربية الجاهلية
قول الشعر ب”الشيصبان” الملهم ،
فذاك الشيطان او الشيصبان وفق تصور الثقافة القبلية، يصل الانسان
(الشاعر)بالعوالم المتخيلة الخفية،
ويفتح له ثغرات التوغل في العوالم
الممكنة ويطلعه على مالا طاقة له به..؟
اولم يتهم النبي (عليه السلام ) بالشعر،
لا بسبب بلاغة القرآن وفصاحته فحسب ،بل لأن الشعر في المخيال
الجمعي في المجتمع القرشي،ومن جاوره من القبائل على اعتقاد بصلة الشعر بالغيب ..؟
فأن تقوم قصيدةالشاعرة زينب على الافتراض والتخيل والاحتمال والممكن ،فلأنها تغرف من مفهوم
الشعر العميق الذي أساسه التخيل
باللغة،وقد ظهر جليا منذ اللبنة الأولى في النص:
” إخال”
فممارسة فعل التخيل ،حدد ملامح الرحلة الرمزية منذ البدءوقد يقترب
ذلك من مفهوم “الرؤيا” في الأدب الرومنسي ،ويتشابك من جهة السريالية مع فضاءات المدرسة الرمزية ..
تنامت القصيدة وفق منطق التخيل،
عبر مشاهد متحركة وأخرى ساكنة
بدءا بتشكيل أدوات الرحلة وتحديد
ملامحها انتهاء إلى الوعي بلحظتها الأخيرة .
#تواترالرؤيا:
يتشابك الاستفهام والتعجب منذ السطر الأول،
“كم إخال” للدلالة على الاستمرار في الحالة ،فمحتوى الرؤية لم يبدأ منذ لحظة هذا النص،بل هو حالة متكررة في الزمن ، فالوعي الباطن
للمبدعة تجليه اللغة للعيان، وفكرة الانقطاع عن الواقع وممارسة الحلم
في هيئة سفينة ،إما ان تكون رفضا
لواقع مادي غير مرغوب فيه والإيمان بضرورة استبداله بممكن منشود،وإما عي عوالم مفترضة في عمق الباطن تريد ان تجاور العالم
المادي وتتعايش معه.
المهم أن هناك حالة نفسية تستلزم الحفر في طبقاتها اللاشعورية للإمساك بخلفياتها ثم فهمها من هناك.
#في الدائرة:
قامت القصيدة على فكرة الدائرة
(من لحظة الغيبوبة إلى لحظة استعادة الوعي)
وهذا طبيعي ما دام النص نهض على مشروع ” الرؤيا وفكرة الحلم”
كما أن للبناء الدائري إحالة على الخيبة والفشل لأننا إذا عدنا من حيث بدأنا ،فهل تعني الشاعرة
أن الهروب من الواقع لا يمكن أن يكون حلا مهما كان نوع التجربة..؟
أم أن النص منخرط في أدب المقاومة في الشرق الاوسط كله،
ومن ثم فإن مصطلح “العودة”
يبرز كتيمة مركزية في مخيلة المبدعين المناضلين ؟؟
# حركة الرحلة/الرؤيا..
في البداية نشير إلى خاصة العمى
الملاصقة للرحلة،فأداتها(السفينة)
بلا ربان،لا تعرف ” الشاعرة ”
“من يحركها،أو يجذبها” وهنا تنفتح
على البعد الوجودي لهذه الرحلة،
فهل هذا تصوير لمبدأ تيه الإنسان
في الوجود؟
قدر يقذفه ولا يعرف “الأين “ولا الزمان،أو على حد قول “ميخائيل نعيمة” في رواية “اليوم الأخير ”
أتسوقنا الحياة ولا نسوقها؟
أم ان ذلك إشعار بأن تلك الرحلة منتهية قبل النهاية؟
إن الجهل بربان السفينة جعل حركتها،
“تعتلي زبد الموج” أو “تختفي في التيه أعاليها” أو..
المهم أن هناك مساحات بين المرئي
واللامرئي، بين “الكلام والصمت..”
بين “الضوء والظلمة..”
هي جروح وفراغات تمثل بؤر المعنى..
ورغم قتامة المشهد، فإن الفعل مستمر رغم التيه والعبث واللاجدوى .
“وأعود”هي وثيقة ميلاد الحياة ،رغم قبح الواقع وبشاعة الوجود.
تعلن زينب أنها ستعود،حتى لو كان
ذلك في “أعماق الذات” حيث العوالم
الممكنة الأخرى .