الروائي و الناقد أ. عمر السعدي
“يا زهرة في خيالي ” رواية للكاتبة سعاد الفقي بوصرصار ” جاءت في 131 ص وصدرت عن دار عليسة للنشر سنة 2019 في طبعة أولى …
1 إشكالية العنوان √√√√√√√√√√√√
يعتبر العنوان من العتبات الأولى المهمة التي من خلالها يمكن أن نلج عالم الرواية. وقد يكون العنوان مجازيا يقول ما لا يقوله ظاهر الكلم .وقد يكون دالا على المستوى الأولي للغة ، أي محيلا إلى معان لصيقة بظاهر النص الذي يقصد مباشرة إلى المعنى ، لطبيعة النص الواقعية أو التاريخية أو الاجتماعية . و الهام هنا أن هذا العنوان هو عنوان أغنية من تأليف صالح جودت وتلحين وغناء الموسيقار فريد الأطرش وهي كما يلي .
• يا زهرة في خيالي رعيتها في فؤادي
• جنت عليها اللّيالي وأذبلتها الأيادي
• وشغلتها العيون فمات سحر الجفون هي غرامي
• كل شيء ضاع مني فنزعت الحب من قلبي وروحي..
فليست الزهرة هنا هي الزهرة في مفهومها المادي وإنما هي المتخيّل المحيل على المرأة في الشعر والغناء. أي هي تلك الفكرة الرائعة والصورة الجميلة التي تشغل بال المحبين وتأخذ بلبهم فتجعل المرأة تحتل نصف قول الشعر أو الشعر كله . وأهمية هذا العنوان في كونه يحاول أن ينزل بهذا المتخيل الجميل من دنيا الشعراء وأحلامهم إلى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي في بيئتنا العربية اليوم . فكيفَ تصير هذه الفكرة أي المرأة حين تتجسّد في الواقع تلميذة وطالبة وموظفة وخطيبة وزوجة ؟ . وما المعاناة التي تلاقيها وهي تتلقّى تجربة الحياة فتعيشها بقلبها وحده ، في ظلّ ضغوطات الأسرة والمجتمع والعادات والتقاليد والفوارق الطبقية والثقافة . أي بعبارة أخرى إن هذه الرواية هي تجسيد للمرأة الحلم، المرأة المتخيل في نظر الشعراء والمحبين في واقعنا ومعاينة مدى محافظة الرجل على هذه الفكرة الجميلة والتعبير الراقي . فكثيرا ما تتحول المرأة بعد الزواج من فكرة إلى كيان مجسّد . وهكذا تذبل هذه الزهرة وتبدأ معاناتها، فتصير من مجمّلات البيت وأثاثه و تدخل في مجال العادي وتكفّ أن تنشر شذاها وتصمت . فيسعى الرّجل إلى تغييرها بزهرة أخرى أي امرأة أكثر فتنة وجمالا وإن كانت بلاستيكية .
2 ـالمنطلق الثقافي أو الفكري في كتابة هذه الرواية.
وأنت تغوص بين ثنايا هذا النّص الروائي ، تقتنع أن منطلقات الكاتبة منطلقات خاصة .أي أنها مشغولة في نصّها بالبحث في قضايا الفكر والثقافة والاجتماع ، بمعنى أنها مدفوعة بوعي ثقافي ورؤية اجتماعية من خلال اهتمامها بالبحوث الصادرة في الثقافة التونسية والعربية معا . بحوث ترصد ظواهر وتدرس أفكارا وتناقش رؤى ومفاهيم وترصد سلوك المجتمع و تقيس مدى تطوّر وعي الناس نحو عديد القضايا . فتلفت النظر و تحسّس بالمواضيع .
وهكذا يخرج الروائي من كونه يطرح قضايا من منظور ذاتي يختلط فيها التخييل بالواقع والأسطوري والتاريخي إلى قضايا فكرية بدأت تطفو على السطح، فيشرع في تطويع فن الرواية لخدمة أفكاره ، مع مراعاة الجوانب الفنية لهذا الجنس السردي .وهنا يمكن أن نذكر رأي أحد النقاد .
يقول سلامة موسى : يتوجّب على الأديب أن يكتب للشّعب بلغته وأن تكون شؤون الشعب موضوعات دراسته . إضافة إلى مجموعة شروط أخرى يفترضها الكاتب . كأن يكون له مقام المعلّم، وأن تكون له رسالة، ونظرة إنسانية. ذلك أن الأدب الرفيع إنما هو تنقيب عن معنى الحياة ودلالتها أي البحث في طبيعة الكون والإنسان معا.إنّه أدب الأفكار إذن .
كما يذهب النقد المغربي الحديث إلى أن النقد الروائي العربي يمكّننا من تلمّس أشكال فهم مغاير للرواية باعتبارها نصا ثقافيا واجتماعيا لا يقلّ تعبيرية أو مشاركة في التشييد الثقافي والاجتماعي عن باقي النصوص الأخرى .
ولا ننسى أن الرواية العربية صارت تواكب المتغيّرات الحديثة في مختلف مجالات الفكر والاقتصاد والاجتماع والسياسة . فأصبحت بذلك بنت الحياة المدنية في اهتمامها بمظاهر الحياة الحديثة .
•3 المدارات الفكرية لرواية “يا زهرة في خيالي
تعالج هذه الرواية قضية المرأة العربية المتعلمة أساسا من خلال ثلاثة نماذج نسائية : ( كنزة الجزائرية ومريم التونسية وفطيمة المغربية ) . وهي المرأة الشمال إفريقية لانتمائهن إلى وحدة الجغرافيا ( شمال إفريقيا )والثقافة والوعي في علاقة بالزوج . فهل استطاعت المرأة من خلال هذه النماذج المذكورة أن تنجح في حياتها الزوجية بمعنى أن تحسن اختيار الزوج انطلاقا من معنى الحب وحده ، وأن لا تخضع في هذا الاختيار لعوامل أخرى كالمكانة الاقتصادية و الاجتماعية والطبقية والسياسية والعلمية للزوج والتي قد تكون مزيفة أحيانا ، أي أن توظف عقلها وحده أداة للاختيار والتمييز لبناء عائلة وإنجاب أبناء أم أن مستواها الدراسي والعلمي هو دون المأمول فلا يمكنها من الاختيار . كأن تتساءل : من أنا ؟ من هو ؟ من أيّ عائلة ؟ كيف يفكر؟ ماذا يريد مني ؟ ما رؤيته للمرأة ؟ هل هو متحرّر ؟ أم هو خاضع لتصور عائلته . هل يستطيع أن يبني علاقة زواج ندّية ركنها الاحترام أم هو واقع اللحظة في الحب والشهوة . وأن محبته لي ستتغير بقضاء شهوته مني ؟ .ولعلنا نستطيع أن نقدم هذه المسألة بطريقة أخرى : كيف تستطيع امرأة متعلمة أحبت أن تنسج علاقة ندية سليمة مع زوجها حين يرتقي في سلم الوظيفة أو السلم الاجتماعي كأن يستوزر أو يتحول إلى رجل أعمال أو يعيش على نمط ثقافي مستورد وتتجنب السقوط والفشل ؟ .كيف تستطيع المرأة أن تكون فاعلة ولا تكون مفعولا به. وهل نلوم المرأة أم نلوم الرجل أيضا باعتباره حين يرتقي اقتصاديا ومعرفيا أو ثقافيا يتنصل من ماضيه وثقافته وقيمه ويعيش حياة أخرى غير التي نشأ عليها سابقا .
4 النماذج النسائية : تقديم ونقد —————-
تلتقي ثلاث نساء كنزة الجزائرية ومريم التونسية وفطيمة المغربية خارج أوطانهن في حافلة مكيفة تنقلهن من مطار جينيف إلى مصحة في لوزان بسويسرا ذات صباح شتوي وقد أُرسلن ثلاثتُهنّ من قب