بقلم: الناقد ظاهر صالح
إن المتصفح للنصوص النثرية “نثرات روح” للشاعرة نهى عودة، سيجد في جانب آخر فضاء روحاني لا متناهي وسُحب عاطفية توعز للقلب أن ينبض ويظهر الانزياح في الصفات فموسيقا الكلمات تُستنشق بدلاً من أن تُسمع، وتفتح للقارئ أوسع الأفق في عدة نصوص على النحو الآتي:
هل لي بقلبك أقتلعه منك ومن ثم أمضغه …. لكن هذه المرة عشقاً وليس كُرها ص60
الحياة دونه كمثل الذي بعد خطاياه في الصحراء دون بوصلة فلا يعلم متى يصل! ص35
هذا الاتساع العاطفي والخصب الوجداني لدى الشاعرة عودة يندرج موضوعاتها تحت غرض الشعر الوحداني المعبر عن حاجة النفس البشرية للحب العفيف أولاً ثم التعبير عن تباريحه، ومن غير الممكن الحديث عن النص بمعزل عن العنوان، طالما أن الحديث عن أحدهما هو استدعاء للآخر حكماً، وهنا سأمرسريعاً على بعض المكونات الفنية للنصوص النثرية فيما يتعلق بالشكل والمضمون. .
العنوان : “نثرات روح”
محبب للنفس، شاعري ووجداني، هادئ فيه جاذبية ناعمة يعبر عن مخزون عاطفي ومكنونات داخله بشفافية صريحة.
النصوص صادقة مع النفس، مزدحمة بالحب والأسى والحسرة والعتاب والقهر، لطيفة حيناً وقاسية أحياناً أخرى، تتخللها كلمات نارية ولاذعة.
الإهداء: إلى “رئتي في هذا الوجود”، مليكات عرش القلب الأبديات، صاحبات السمو الروحي ” شهد و رغد “.
الإهداء مكثف وواسع الأفق، يحمل كل معاني الحب الذي لا حدود لتجلّياته .
الصور الفنية:
تتجه الشاعرة تجاه الصورة الكلية، حيث لا يشبع نهمها الوجداني،
ومن هذه الصور الكلية قولها:
الصباحات التي تأتي محملة بالرضى هي صباحات من نوع آخر. ص44
سألتني .. هل سنلتقي يا ضي عيني .
التقينا / كسرنا الحواجز / عانقت فيك وطني / وكنتِ الوطن / كبرنا مرة أخرى . ص62
تحفل النصوص النثرية برموز ومعطيات كثيرة اتكأت عليها الشاعرة لتبوح بما في خاطرها من خلال مفردات تعبر بها عن أشياء واقعة معروفة مثل : (فطالما ولدتُ لاجئة، تقلبات مزاجك، الاضطهاد، الظلم، التمرد، المراوغة، نحن لسنا إلّا متفرجون).. غير أن الجديد الذي نحسبه للشاعرة عودة هو توظيف هذه الرمزية خلال السياق العام للنص بحيث حملتها دلالات ترسم للقارئ طريقة التأويل الموجه مسبقاً لتؤدي الغرض المنشود منها: (أولئك الذين يجيدون البطولات والانتصارات على أوراقهم وفي كلماتهم فقط.. فلا يؤخذ منهم موقف واحد يذكر لهم، شاهرون سيوف القوة والجبروت، وكل كلام يؤدي إلى معركة اللا معركة). ص107
بوسعنا اقرار حقيقة قد لا نختلف عليها كثيراً، وهي أن الشاعرة عودة تبدو مسكونة بالأسئلة المكثفة ومعظم هذه الأسئلة تخرج من دائرة الاستفهام إلى المعنى الإصلاحي وإلى دلالات جدية تجسد الحالة الانفعالية للشاعرة التي وظفت تلك التساؤلات في خدمة النصوص التأملية مثل ::
هل كان لكم أحلام مثلنا؟
هل دعيتم.. صليتم.. بكيتم وانتظرتم مثلما فعلنا؟
هل استسلمتم لمصيركم ومضيتم فخذلتكم الحياة؟،
ونحن نسألكم ويدور الخوف الباطني بنا خشية منها أن تخذلنا! ص19
متى ستشرق علينا النهاية؟
ما بال هذه الأرض تشتعل دماراً، خراباً، قتلاً، تشريدا !
ألم يحن الوقت لتنتفض الأرض فيكون مخاضها، ألم ترتوي بعد، وتبتلع كل من عليها؟
ثم ماذا ؟ ص120
ولعل الشاعرة تجيب بطريقة لا تخلو من بعض الاهتزازات، وتلك عادة الشعراء لاختلاف زوايا الرؤية منها:
لا أسعى لكسب رضي أحد في هذه الحياة .
خسرت الكثيرين وخسرني الكثيرون ولا ضير أن أخسر بعد.. ص133
وقولها: محاولاتك في إصلاح ما أفسده الدهر، هي محاولات عقيمة مالم يكن الطرف الآخر يسعى إلى هذا التغيير بشغف وحب. ص138
وفي المقابل هناك لهجة يتبدى فيها الحوار الصريح والمواجهة الجريئة، تفصح عنها الشاعرة عودة بقولها:
مريض نفسي، والأغلب أنه ينتقم من ضعفه بالنساء.. يحقق بطولات من وراء الشاشات . ص50
ثم تُفجّر أقوى شظايا من كبرياء الأنثى .. ما أقذره من ذكر ليملك من الرجولة ما يحسد عليه . ص51
يتلاعبون بالمشاعر، يلهون هنا وهناك حسب احتياجاتهم، في نهاية الليل يسألون عن ضيق صدورهم ويطرحون أسئلة كثيرة، لو دخلوا أعماقهم لوجدوا لكل سؤال جواب..
أي بشر هم؟! وأية وقاحة يمتلكون! ص89
وفي لهجة لاذعة تخاطب المجتمعات المحكومة بالخيبة :
مجتمعات عقيمة الفكر التي تربي اجيالها على أسس مهترئة بباطنها وإن أخفت/ مجتمعنا يتقبل بصدر رحب أن تتزوج فتاة من شاب لديه إعاقة، ولكن العكس مرفوض من العموم وابتداء بالأهل. ص112
الشاعرة نهى عودة صوت شاعري قادم بثقة وخطوات محسوبة واثقة إلى الساحة الشعرية للوصول إلى المزيد كماً ونوعاً وتتوثب للأفضل في عالم الثقافة والأدب وارتقاء المشاعر الصادقة مع الأمل الاستفادة من هذه التجربة وهذه النصوص التثرية المليئة ببعض الظواهر التي تبدو غريبة ومثيرة للأسئلة والتأملات.
وأخيراً .. “يبقى لي أن أعترف مرة أخرى أن هذه الدراسة ليست احاطة كاملة بكل جوانب التجربة عند الشاعرة نهى عودة، وإنما التركيز على بعض النصوص النثرية في كتاب ” نثرات روح” وعلى أمل توقيع رواية تحمل عنوان “سارة” للشاعرة والأديبة عودة .. مع التأكيد على حقيقة تفترض في أي دراسة أو عند تقرير الحقائق والوقائع”، وأقصد هنا.. “استخدام الشاعرة عبارات وتشبيهات مذمومة شرعاً، من الأفضل عدم استخدامها في النصوص الأدبية، هذا من باب الأمانة والتنبيه والنصح والتذكير”.