بقلم الروائية د. سعاد الفقي بوصرصار/تونس
تسلّلتُ من فراشي مع انبلاج الصّباح. من الشرفة ألقيت نظرة على البحر. رأيتُه ساكنا. نظر إليَّ بغنج وغمزني أن تعاليْ.
بخفّة هرعت إليه بلهفة صبية تسعى للقاء حبيبها في الغسق خفية.
تسارعت دقات قلبي مع تسارع خطاي.
يا الله؟ ما هذا الجمال؟ ما هذا البهاء؟ فضّة مترقرقة منثورة على المدى…
وأطلت سيّدة الكون من مخدعها في خفر تسبقها كوكبة من الأضواء وأخذت تتقدّم ببطء ودلال من وراء الجبل نحو حمامها اليومي المعطّر برحيق سماويّ وتلقي بنورها وضيائها فتتحوّل الفضة تبرا وأخيرا ينعكس وجهها الصبوح على صفحة الماء ضاحكا مستبشرا…
شقشقت الأنوار وطلعت الشمس
وقفت على الشاطئ أتأمّل المشهد في ذهول وتبتّل
نسمة لطيفة تسري في كياني وتمسح على جسدي والبحر يمد الي ذراعيه ورائحة اليود تنعش فؤادي فأغيب عن الوجود وأتأمل في سكون لوحات الطبيعة المتتالية في قداسة وجمال رباني كأنني في معبد فسيح.
أسرعت اليّ المويجات تغسّل قدميّ وتغريني بالاستحمام. نزلت الى الماء احتضنني البحر وابتسمت الأرض والسماء انتعش الجسم ورقص القلب وانشرح الصدر وحلقت كثيرا كأنني طائر وسبحت بكل عنفوان اغتسلت من كل الأدران…
ثم حان وقت الرحيل كان لابدّ لي أن أودّع لقد انتهت العطلة وهذا اللقاء الأخير مع البحر… كنت أهمّ بالخروج فاذا أيدي لطيفة تمسك بي وتعيدني الى الماء انساق اليها واغطس في الماء رافضة التخلي عنها ثم أعود وأتذكر الركب الذي ينتظرني للرحيل فاقف واستعدّ للخروج تعيدني اللجة و تتشبث بي وتلقيني من جديد فتغمرني المياه وأتشرب الفرح وأذوق حلاوة الدنيا…
ماأصعب الفراق