الدكتور: محمد محضار / المغرب
ما أشبه الأمس باليوم، نفس اللعبة تتكرر ..كلنا قابيل وهابيل، كلنا صالب ومصلوب وقاتل ومقتول ..أنت أنا ..نحن ..هم.. جميعنا نؤدي أدوارنا باِتقان في مسرحية إسمها الحياة، بل قل مهزلة اسمها الحياة..ما من شيء نحبه إلا ويرافقه ضرر، فالورد لا يخلو من شوك والنور لا تفارقه نار ..والخمر يتبعه عذاب الدنيا والأخرة..الحقيقة تشرق باهتة حولنا، غمام أنفسنا يحجبها عن أنظارنا، العدل نلهث وراءه منذ الأزل ..نراه خلف زجاج سميك ولا نملك سوى التحسر عليه…
الحقيقة والعدل تصبحان شيئا مجردا ..ولا يدركان الافي حدود الحلم، ويغيبان عن عالم الانسان)
مثل هذه التداعيات كثيرا ما تنهمر على رأسه فتراه شاردا في مدرج الكلية أوفي المطعم الجامعي، أوفي قاعة المراجعة، لا يكاد يحس بما يجري أو يدور حوله. الدنيا تبدو له غريبة. كل شيء فيها يسير بالمقلوب ..ناس تنام على الدمقس والرياش .، وناس تنام في العراء، أغبياء يتسلقون درجة المجد والشهرة .، ومبدعون يعشش العنكبوت عليهم وعلى إبداعهم . لا أحد يريد أن يفهم .، لا أحد يحاول ان يغير مجرى الأشياء ….الحياة تستمر مغبشة والضياع يتوالى في شتى ألوانه وجبة فاسدة يتناولها رغما عنه كل يوم .
جرثومة الاغتراب تعشش في كويرات دمه، تسري في جوارحه، تحيل حياته الى مزيج من التناقضات والتعارضات، تفضي به الى متاهة بلا مخرج، فتراه يتلمس خطاه في الظلام، يخبط في كل الاتجاهات كالخفاش. .
كل مرة يحس ان فرديته ملغاة، وأنه موجود من أجل اللاوجود ..وان دوره في مسرحية الحياة لا يعدو ان يكون دور شخص جامد لا يتحرك أو يتكلم ..إنه أقل من كومبارس بئيس..من اختار له هذا الدور؟ أتراه والده الذي جن في منتصف عمره بعد أن فرت زوجته الثانية مع عشيق لها الى مدن الجنوب؟ أم تراها امه التي سحقها القطار قبل سنوات حين كانت في طريقها الى الموقف عارضة نفسها كصبانة، تغسل وسخ العادي والبادي مقابل دريهمات تعيل بها اطفالها الذين رمى
بهم والده إليها صحبة ورقة الطلاق؟ أم تراه القدر وحتميته التي لا مناص للهروب منها فهو فوق الجميع؟ كل هذه الأسئلة تظل معلقة .. ويظل هو ..غارقا في رحلة تيه بين شوارع المدينة ومدرجات الكلية وكراسي الحدائق العمومية.
الانعزالية أصبحت ممارسة يحرص عليها والاحباط غدا شعاره الخالد ..إنه يرفض التعايش مع كل هؤلاء الذين يحيطون به ..وإن كان علماء النفس يقولون بان الانسان حيوان إجتماعي بطبعه….فهو قد تحول الى حيوان انعزالي ولم تعد العدوى الوجدانية التي تنتقل بين افراد المجتمع تجد استجابة لديه.
مراكش 1981