بقلم: أ. عبد الرحيم بيضون
في طريقي الى البقال، صادفت متسولا غير بعيد عن الجارة مباركة، يلفق أقوالا تسقط “الضيم” على كل من يسمعه، ويدعي أنه من سلالة ركراكة الأحرار. وهي واقفة على حافة منزلها، واضعة يدها اليمنى على قلبها مرددة: أمين، أمين.
حاولت سرقة ما يتفوه به، ولم أتمكن إلا بالنزر القليل. استخلصت منه أنه شحنها بأقوال جعلها تسقط في شراكه العنكبوتية، قائلا لها:
إن تحقق المراد اعطيني هدية لأقدمها الى ركراكة الأولياء الصالحين الساهرين على نشر بركة محمد (ص) في هذه الأرض السعيدة. وإن طلبت منك كسوة للولي الصالح (بوقنادل) الله اعطينا بركته اش تقولي؟
رددت بعفوية: آمنا بالله.
فدخلت مسرعة وفي نيتها أن تمنحه ما وجد من سكر وفلوس وملابس. أثنائها أخذ يقترب من حافة بابها وعيناه تتلصصان بدهاء ما بداخل الدار، وأدرك أنها تعيش وحيدة.
تابعت سيري نحو البقال وأنا ما زلت أفكر في طريقة استمالته، متوجسا من اختياره لها. وبعد عودتي، وجدته ما زال متسمرا أمام بابها، وكلبها (كانيش) يشم ثيابه الوسخة، وهو يهش برجليه لإزاحته بعيدا عنه، فأخذ ينبح نباحا كغير عادته، بدون أن تهتم به مباركة.
أخيرا خرجت حاملة أقمشة جديدة وقالب سكر ونقودا، وأخذ يدعو لها بالخير وبركة ركراكة بإسهاب مبالغ فيه حد الضجر. اقتربت منه أكثر لأشعره أنني جارها، وما إن علم بقربي غير من طريقة استدراجها قائلا:
الله اعفو علينا، قل آمين.
رددت تلقائيا: آمين يا رب العالمين.
ثم أدار وجهه في اتجاهي مخاطبا:
وأنت هل لديك ما تتبرك به ل”ركراكة” الأحرار
أجبته بصوت حاد: حسب علمي “ركراكة” كانوا ينشرون الدين، ولهم زاوية خاصة بهم بناحية الصويرة، وكانت لهم “البركة” حسب الخرافة المتداولة، أما اليوم فالبركة طارت ولم تعد. ولم يبقى سوى أحفاد أحفادهم الذين انحرفوا عن نشره، واكتفوا بنشر الشعوذة. وهذه الخرافة أكل عليها الدهر وشرب، كما يقال. نظر إلي نظرة شزرة وغير من مسار الحوار قائلا:
سأعود في الاسبوع القادم لأثبت لك عكس ما تقول. والآن، هل لديك ما تمنحني؟
– إنوب الله، الى الأسبوع القادم إن شاء الله.
ثم وجه كلامه الي مباركة، إن جارتك طيبة، قصدتها والمقصود الله، ولم تتوانى للمساهمة في تجديد غطاء الضريح. وسآتي لها بشعرة ناقة “ركراكة” لتتبرك بها، وليتيسر لها مرادها.
وذهب الى حال سبيله مسرعا في مشيته. وحين ابتعد عنها، قلت لمباركة:
لا تتقي في هذا المتسول، إنه داهية وأشك أنه ينتمي إلى “ركراكة” الأحرار.
ومن أدراك؟
علمت ذلك من طريقة تعامله، كما سألني هل أنت وحيدة؟
وماذا قلت له؟
خوفا عليك قلت له أنك لست وحيدة.
لا تتدخل فيما لا يعنيك مرة أخرى.
اسمحي لي، خفت عليك، وقد يكون لصا يداهمك في المرة المقبلة.
إنه من “ركراكة” الأحرار، وله بركة، فلما تظن به سوء؟ أطلب التسليم، فوضعت فمها على صدرها وهي تقول: تف تف تف…الله اعطينا بركته. والله انجينا من الذين لا يؤمنون برجال لبلاد مثلك.
فتركتها على تلك الحالة، وتابعت سيري الى المنزل وأنا أغني مع ( إديث بياف) متحسرا.
Allez chanter millor
Danser millor
Bravo millor
وبعد أسبوع انتظرتني مباركة، وأخذت تحكي لي باكية عما جرى لها مع ذلك المتسول الذي عرف كيف يبتز منها ما كانت تذخره لمدة عام، لم تدر كيف عرف اسمها واسم أمها وعمل زوجها المتوفي، لم تدر كيف عرف مكان مدخراتها التي أخفتها عن الجميع، لم تدر كيف انساقت الى منزلها وأخذت كل ما لديها وسلمته له بكل بساطة، وكأنه خذرها ليعطيها شعيرات من زغب الناقة وبعض الأوراق قائلا لها بان لا تفتحها الا حين وصولها الى منزلها ولوحدها، وما ان وصلت فتحت رزمة أوراق فوجدتها أوراق عادية، فشهقت شهقة العمر كطفلة غرة، وذمت نفسها واليوم الذي صادفت فيه ذلك المحتال. وماعلي إلا مواساتها قائلا:
اصبري يا جارة.. وحسب علمي لم تكن لوحدك من تعرضن لاحتياله.