الدكتور: محمد محضار / المغرب
الطفلة تبتسم وتنظرالى أمها، سائل المخاط ملتحم بشاربها، ثيابهاالرثة تحمل أثر
التراب، يدها تحك رأسها الأشعث المقمل ، أمهامدفونةالجسد في ثوب وسخ، ملفوفة في نصف ملاءة قديمة، تنتعل حذاء بلاستيكيا يطفح بالرائحة الكريهة. .الطفلة والأم تتجولان بين جماعات المسافرين الواقفين على رصيف المحطة الأم تمد يدها المشققة:
-صدقةعلى الله والوالدين يا أولاد الحلال
تقتربان من شاب مكرفط وفتاة متبرجة تصحبه، تنظر الطفلة الى ساقي الفتاة الممتلئتين مستنشقة ذرات العبير المنبعثة من جسدها.. الأم تمد يدها قائلة :
-صدقة يا أولاد الحلال الله يكمل عليكم
يرد الشاب متأففا:
– ابتعدي يا امرأ ة الله يعفو عليك وعلي.
تقول الفتاة مزدرية :
-“كثرتم الله يحضر السلامة “.
.تبتعد الأم وطفلتها،الطفلة تنحني على الأرض، تلتقط علبة رايب فارغة ،تبدأ . بلحس بقاياها ..الأم تتكئ على حائط أحد شبابيك التذاكير تحسب السنتيمات التي جمعتها منذ الصباح الباكر. منبهات الحافلات تحطم سكون المكان ، ترمي الطفلة علبة الرايب بعد ان فرغت من لعقها .ماسح أحذية شاب جالس على الارض امامه علبته ، في يده اليمنى خرقة مخضبة بالسلسيون يشمها بنشوة ، عيناه مقلوبتان , شفتاه زرقاوتان ، الطفلة تبحلق فيه , يبدو غريبا الأم غير مكترثة بأمره ، لها مشاكلها الخاصة ،يقترب كهل مكتنز من ماسح الأحذية يضع قدمه على خشبة العلبة . يشتغل الماسح .تجر الأم طفلتها وتتركان مكانهما . صرخة نسوية تُردّد صداها فجأة جدران المحطة ، تلتفت الأم وطفلتها ، امرأة عجوز تسللت خصل من شعرها الأبيض عبر المنديل الذي تشد به رأسها تصيح وتصرخ :
-سرقوني يالمسلمين ضربوا لي الجيب ..خطفوا لي رزقي يخ من المدينة يخ من المدينة.
بعض أبناء الحلال يحاولون زرع السكينة في نفسها , آخرون يهبونها نقودا . شمس الربيع تنثر أشعتها الدافئة ،رياح شمالية تهب منعشة ، الأم وابنتها تغادران المحطة , تَعِنان على السويقة , تشتري الأم خبزة ودرهما زيتونا تجران أقدامهما عبر شوارع المدينة، بعد حين تصبح دورها وعماراتها خلف ظهريهما وبمواجهتهما مدينة القصدير، ضجيج الأطفال يتهادى الى أسماعهما كلما تقدمتا . تصلانها. الطفلة تبتسم لمجموعة من البنات المتسخات مثلها يلعبن بالحبل ، الأم
تهز رأسها مسلمة على كهلة ضامرة العود تقف قرب باب براكة. . عند مدخل براكتهما اقتعد الأب صخرة متوسطة الحجم , موجة من دخان الكيف ترتفع من شقف السبسي الذي يدخنه ..الطفلة تهرول نحوه مقبلة خده الممتقع، ترتسم على شفتيه الذابلتين ابتسامة لاهثة ، الأم تقترب منهما . يرفع الأب رأ سه نحوها :
– “لم أجمع اليوم الا سنتيمات قليلة ، رواد السوق البلدي كانوا قلة وأكثرهم من الشباب وانت تعرفين أولاد اليوم”
– المحطة كانت مكتظة لكن بَركة هذا الصباح كانت قليلة المهم ان نسد الرمق ونعيش. يدلف الثلاثة الى داخل البراكة .تضع الأم حبات الزيتون في طبق قصديري ، يجتمعون حوله جالسين على حصيرة مهترئة . نشرت هذه الاقصوصة بجريدة العلم سنة 1987