الدكتور: محمد محضار / المغرب
الألوان تتماوج أمام عيني في حركات تلاحقية، الأحمر البنفسجي، الكاكي، القمحي وألوان اخرى، لساني يتجول على ضفتي شفتي دون توقف، درجة حرارتي ترتفع، أصوات غريبة تنطلق في أعماقي، أحس بمغص في بطني، وألم في رأسي، نظراتي زائغة تلاحق أجسام الحسناوات المارات أمام المقهى، ارتباكي أفرغه في مداعبة منفضة السجائر بأناملي . حنين وشوق كبيران إلى أشياء قديمة يرسمان معالمهما على سحنتي،
مريرة هي اللحظات، وثقيلة تمر، وأنا أزدرد كومة حزن واِكتئاب .
شحاذة عجوز، تقوس ظهرها وضمر جسمها -سمعت أحد رواد المقهى يهمس لصديقه في شأنها “لقد كانت شيخة كبيرة 1..أنظر ماذا حل بها” – تمد لي يدها المغضنة ولسانها يسترحم، أشمئز من منظرها لكنني أنقذها بضع سنتيمات..
صمت أيام رهيبة قد ثوت ينزل بكل ثقله على رأسي..تعلق نظراتي الزائغة بحدائي المحمل بغبارالبادية التي أٌدرّس بهاقبل لحظة من الآن غازلت فتاة، فقالت لي بصوت ساخر ” سير ديها غير في صباطك 2الموسخ” ثم ركبت سيارة كانت تلاحقها من الخلف، يظهر ماسح أحذية صغير السن على حين غرة، أسلمه حذائي كيْ يلمعه، يشتغل الصبي بكل عناية وجدٍّ ..بعد برهة أنظر إلى حذائي بكل إعجاب..
أترك مكاني بالمقهى، أشق طريقي بين شوارع المدينة، بخطو تأئه لا يرسو على اتجاه. المدينة تعيش مهرجان الغروب، الشمس ثملة تعب كؤوس الشفق، معانقة الأفق باستسلام ..وخيوط الظلام تتسرب بتتابع إلى السماء .
ساهيا أمشي، تصطدم قدماي المتخذلتان بصندوق قمامة، تنط منه قطة سوداء، تسرع هاربة ومواءها يكسر السكون، رعشة إشمئزاز تعتري جسدي النحيف، القطط السوداء فأل شؤم..هذا ما رددته أمي على مسامعي باستمرار إبان طفولتي، أقرأ البسملة وأتابع سيري.
البرد يلفع وجهي، يلسع أرنبة أنفي..خطاي تصبح حثيثة..أصل البيت الذي أتقاسمه مع صديقي عزوز، المشتغل بإحدى ثانويات المدينة .. أدلف الى الداخل ..مصباح غرفة عزوز مضاء ،ألجها.عزوز صحبة صديقته “أرحيمو ” التي تُدرّس صحبته. كانا يحتسيان كؤوس الراح..ألقي إليهما بالتحية، ثم أنثني خارجا، صوت ارحيمويطرق أذني:
-ألا تشرب معنا كأسا ..ولو لمرة واحدة؟
-تعلمين انني لا أشرب أو أدخن
يعلق عزوز ساخرا:
-بوركت ايها المتصوف المخذول
أبتسم دون أن أرد، ثم أخرج.. تحتويني غرفتي.. أستلقي على السرير تضطرب الخواطر في صدري.. تقبل الكلمات والعبارات على زورق الماضي و تتزاحم عند بوابة ذهني، تنتابني الرغبة المعتادة في الاحتراق على الورق، أهرع إلى مكتبي أصب حبر قلمي على القرطاس، أكتشف أنني أتحول إلى ألفاظ ناطقة تشع بالكآبة، كم أمقت الكآبة لكنها تفرض نفسها ضيفة ثقيلة على كل ما أكتب.
وادي زم 17/11/1987