الدكتور: محمد محضار / المغرب
في إحدى الأماسي الصيفية الهادئة، توقفت سيارة فخمة قرب بيت منعزل بضواحي المدينة، وترجل منها رجل تجاوز الأربعين من عمره، تبدو عليه علامة الوقار وملامح الأبهة، يرتدي بدلة قمحية اللون، اِتجه صوب باب البيت، نقره بضع نقراتـ،، وعندما فتح ظهرت على عتبته عجوز في حدود الستين من عمرها، حيته بحرارة، فرد على تحيتها وقال:
-كيف حالك يا خالتي زينب؟
-بخير، تفضل
دلف الرجل صحبتها إلى داخل البيت، قادته إلى غرفة الجلوس، حيث استقر به الحال فوق كنبة جلدية، وسألها ضاحكا :
-كيف حال صبياتك؟
– إنهن على أحسن حال يا أستاذ، هل تريد إحداهن؟
– ليس الآن .. لكن خبريني هل وجدت لي فتاة عذراء؟
ردت العجوز بخبث:
– إنك رجل محظوظ… فمنذ أسبوعين جاءت لتعمل في أحد البيوت المجاورة صبية في الخامسة عشرمن عمرها وهي عذراء…
قاطعها متلهفا:
– إذن وجدتيها
– وليس أمامي الأن سوى البحث عن الخطة المناسبة لجلبها لك،و هذا أمر بسيط… فهي يتيمة الأبوين، أو قل مقطوعة من شجرة، ولن تمانع في شيء إذا ملأنا بطنها وجيبها.
– إنك خارقة للعادة
حدجته العجوز بنظرة ثاقبة وقالت:
– أظن أن الأمر سيتطلب منك مالا كثيرا
– لايهم، اطلبي ما تشائين، سأدفع بسخاء
– قامت العجوز، من مكانها،اقتربت منه ثم همست:
– هل أنادي لك على إحدى الصبيات.. لتمرح بعض الوقت.
رفع إليها رأسه وقال:
– المهم هو العذراء، أريد فتاة عذراء بأي ثمن
-اطمئن يا أستاذ، بعد أسبوعين ستكون العذراء بين يديك .
قام من مكانه، أصلح ربطة عنقه، ثم أدخل يده في جيب بنطلونه، وأخرج بعض الأوراق النقدية، مدها للعجوز وهو يقول:
– تفضلي خالتي زينب.
وردت العجوز وعيناها تومضان طمعا:
– شكرا لك ياسيدي أنت رجل سخي بحق .
– سأكون أكثرسخاء، لو قضيت حاجتي.
انسحب خارجا، ركب السيارة، ثم اِنطلق بين شوارع المدينة الهادئة، كانت تتصارع في رأسه عشرات الأفكار وتُضيق الخناق حول عنقه. رأى ماضيه يسترسل في التداعي أمام عينيه، اسفلت الطريق المضاء بمصابيح سيارته، كان يبدو أمامه كمرآة تعكس سنوات عمره الملهوفة من الزمان، ذاكرته اخرجت مخزونها، وامتزج الماضي بالحاضر، تفجرفي أعماقة أشجان أعوام دفينة، واشتد رنينها في ذاته، داهمته على حين غرة صورة العذراء، عندما توقف أمام إشارة المرور واصطدمت عيناه باللون الأحمر، تذكر الدم، تراقصت أجزاؤه السفلى،
عاود المسير من جديد أشعل لفافة تبغ ليهدئ نفسه بعض الشيء، ثم غرق في بحر الماضي، لاحت أمامه أجزاء مضببة من طفولته ومراهقته وشبابه، فمضى يربط بينهما.
كان ابن شيخ القبيلة ووجيهها الحاج عمر، كان واحدا من بين عشرة إخوة وكانت أمه واحدة من بين أربع نساء، كان منطويا على نفسه، قليل اللعب مع أبناء الدوار، شديد الخجل والخوف،، وأبوه لم يكن ينتبه إليه إلا لماما، تعلم في مدرسة القرية، وأكمل دراسته بالمدينة، لكن المدينة لم تغير شيئا من طباعه فقد ظل مفرطا في التقوقع والانغلاق، وكانت علاقته بالمرأة لا تكاد تتعدى أحاديثه القليلة مع أمه، وأخواته، ولاشيء غير هذا، بنات المدينة كن بالنسبة له غولا مخيفا لا يقدر على مجابهته. لما أتم دراسته اشتغل في المدينة، الشغل لم يدخل هو الآخر أدنى تغيير على سلوكه. بعد موت والده آلت له ثروة لم يكن يحلم بمثلها، وجد نفسه يدخل دنيا المال وانتبه إلى نفسه، دارت بدماغه فكرة الزواج لكن كيف؟ وهو لا يعرف ما يقدم أو ما يؤخر مع المرأة، لجأ في الأخير إلى أمه التي تدبرت الأمر، وخطبت له ابنة أحد أثرياء القرية، وفي ليلة “الدخلة” أو ليلة العمر كما يحب أن يسميها البعض وجد نفسه صحبة عروسه في غرفة واحدة، وتهادى إلى أسماعه ضجيج وصخب الأهل والأحباب وهم يرقصون، ويغنون، منتظرين قطعة الثوب المخضبة بالدم، اجتاز مرحلة الخجل، بعد حمام بارد من العرق، وأقبل على عروسه .. لكن أين الدم؟؟ الثوب أبيض لاتكاد تظهر عليه نقطة واحدة حمراء، دارت به الدنيا، تلكأت الكلمات في فمه وانساب صوت عروسه تخنقه الدموع المسترسلة على وجنتيها:
– استرني يا سيدي لو عرف أبي سيقتلني
ورد هو:
أين الدم أنت لست عذراء؟
– لقد نال من شرفي ابن عمي الذي يدرس في فرنسا، لا تفضحني وأقسم أني سأخلص لك مدى العمر. ورق قلبه لدموعها وقال:
– إذا تنازلت أنا عن حقي، فماذا نفعل مع الآخرين إنهم يريدون الدم.
– المسألة بسيطة
قالت هذا ثم أخرجت شفرة وجرحت ساعدها، خبضت الثوب بالدم ومدته له قائلة:
– أعطيهم الدم
هكذا تزوج ورضي بامرأة ثيب، لكنها صدقته القول وأخلصت له بل”أسعدته، فانطلق في مشوار نجاح متواتر، وتفتح على الحياة وأصبح له أصدقاء وأصحاب سلخوا عنه ثوب الانطواء وجروه إلى دنيا اللذة والشهوة الحمراء. وتقدم به العمر، لكنه ظل وفيا لحياته التي بدأها بعد الزواج.
وعرّفه أحد زملائه على العجوز المدعوة زينب التي تدير وكراً للتجارة في أعراض صبايا قاصرات وانبأه أنها تجلب لزبنائها من حين إلى آخر حسب الطلب فتيات عذارى، فأصاب النبأ في نفسه الموقع الحسن، وأسر للعجوز برغبته في صبية عذراء، فوعدته أن تلبي طلبه.
وهاهي ذي تعده اليوم بإمكانية تحقق غرضه بعد أسبوعين، فليستعد ليعيش ليلة العمر.
في الليلة الموعودة تأنق في هندامه وصبغ بعض الشعيرات البيضاء التي كانت تجلل فوديه، ثم ذهب إلى العجوز التي استقبلته ببشاشة وقادته من جديد إلى غرفة الجلوس، وسألها بلهفة.
– أتراك جلبت العذراء كما اتفقنا؟
– بالطبع وقد هيأتها لك، لتبدو كعروس في ليلة دخلتها.
– حسنا فعلت يا امرأة.
قال هذا ثم أدخل يده في جيب جاكيتته البنية، وأخرج رزمة من الأوراق النقدية رمى بها للعجوز وقال:
– تفضلي يا خالتي زينب
– شكرا ياسيدي
قدم لها ايضا علبة صغيرة كان يمسكها بين يديه وتمتم:
– هذه الهدية للفتاة.. قدميها لها.
– سأذهب إليها كي تستعد…
– انسحبت العجوز، والتحقت بالصبية التي كانت تنتظر بداية المجزرة بإحدى غرف النوم، قدمت لها العلبة وقالت:
– خذي هذه الهدية .
فضت الفتاة غلاف العلبة، كانت سلسلة ذهبية جميلة.
– ضعيها حول عنقك… وخذي هذا المال ثم استعدي
قالت هذا ،ومدت لها جزءً من الأوراق التي تسلمتها منه، ثم خرجت قاصدة قاعة الجلوس.
كان ما يزال ينتظر، طرق سمعه صوت العجوز وهي تقول:
– هيا يا سيدي الفتاة في انتظارك قام من مكانه، تبعها، توقفت، وأشارت إلى الباب، ثم قالت:
-يمكنك أن تفتح الباب وتدخل
وضع يده على المزلاج، ضغط عليه، دفع الباب ودخل، وجد نفسه أمام صبية في ربيعها الخامس عشر، ذات شعرأرجواني يتهدل على كتفيها العاريتين، وعينين عسليتين تفيض البراءة من بؤبؤيهما، وجسد طفولي ينضح بالطهر. إقترب منها لمس جيدها براحته وقال:”ما اسمك يا بنية”، وردت الصبية:” اسمي سلمى” صمت لحظة وقال: ” هل أفهمتك السيدة زينب كل شيء”،
– أفهمتني وأنا موافقة.
جلس على السرير، طلب منها أن تخلع ثيابها،.. فعلت، لاح له جسدها البلوري، تسلل وحش الشهوة إلى دواخله، اقترب منها، من جديد، لمس صدرها بيده. تراجع فجأة الى الخلف كمن لسعته عقرب، أمسك رأسه بين راحتيه، وصرخ : “لا، هذا غير ممكن لا لا..”
نظرت إليه الفتاة بخضوع وقالت:
– ماذا حدث يا سيدي؟؟
أعاد اللمس مرة أخرى، تكررت، نفس الحالة، ما الذي حدث يا ترى؟؟
اختلطت الامور أمام عينيه، من أمامه الآن، هل سلمى، أم ابنته سناء؟ إنه لا يكاد يلمس جسد سلمى حتى يرى ملامح ابنته سناء قد تمثلت فيها. ارتمى على السرير كالكلب المسعور، اضطرب، رفع رأسه الى الفتاة وقال:
البسي يا بنيتي ثيابك، مكانك ليس هنا، ستجدين أختا لك في بيتي، خرج إلى العجوز سألته:
– هل نلت الوطر؟
قابلها بوجوم متجاهلا سؤالها، وقال:
– سآخذ الفتاة معي.
– هل ستتزوجها؟
– لا سأتبناها. ستعيش مع ابنتي وزوجتي.
ضحكت العجوز وقالت:
– هل جننت؟
لم يلتفت إليها وخرج صحبة الفتاة.
نشرت هذه القصة بجريدة العلم المغربية أبريل 1986 .