بقلم أ الحسناوي محمد رضوان/زاكورة المغرب.
كان الجو معتدلا،جو ربيعي بامتياز.كل شيء يحيط بالمكان يزهر المشاعر وينعشها،هنا طفلات البلدة الصغيرة يمشين إلى حافة الوادي يحملن دماهن الطينية التي نحثثها بأيديهن.لقد جئن لنسيان تعب يوم كامل من العمل المضني و قليلا من التعلم.
تصلن ،فتجلسن على الحافة ،على العشب الأخضر المبتل الممتد على ضفتي الوادي .
كانت رقية من بينهن كمهرة ناطقة ذات الخد الأحمر المورد والابتسامة البريئة التي لا تفارق ثغرها تفصح لقريناتها عما يدور في دواخلها من أحلام وأمنيات : ليس لي رغبة في الزواج ، أريد أن أكمل دراستي، أريد أن أصبح طبيبة محترمة .
انخرطت جميع الطفلات مع رقية في موضوعها الشيق المثير.
همست سلمى طويلة القامة ،سمراء ألون، عسلية العينين، قائلة :فارس أحلامي ليس رجلا عاديا،فلن
يكون سوى مهندسا آو طبيبا أو …..
تعالت ضحكات الطفلات ،فازداد الجو سحرا ،انه لحن جميل تناغم وجمال المنظر الخلاب المهيب .
كل الطفلات الأخريات أفصحن عما يراودهن من أحلام ،لقد امتلأن فرحا وحبورا.
شمس الغروب ترخي بظلالها على المكان ،لقد غابت الشمس ،فعدن إلى بيوتهن المتناهية في البساطة .
توالت الأيام والشهور والأعوام والطفلات الجميلات تكبرن فيكبر معهن حلمهن و كل مساء تمشين إلى الوادي تحملن أحلامهن ودماهن فتحيكن، ترقصن ،تغنين، تهربن من تعب الحياة.
ورقية المهرة الناطقة ، كانت مفعمة بالحياة ممتلئة رشيقة نهداها كفراشات حطت على ربوة معشوشبة خضراء.هذا العام تدخل سنتها الأولى ثانوي ،كانت متفوقة في تحصيلها الدراسي بالرغم من بساطة العيش وقلة الإمكانيات. فبعد الثانوية عن البلدة والتضاريس الوعرة المحيطة بالبلدة كل هدا لا يحبط عزيمة رقية.
أما سلمى الغزالة السمراء فقد تخلت عن التمدرس في سن مبكرة ،لم يكن ذلك بمحض إرادتها،بل لان ظروفها الأشد قتامة من ظروف صديقتها رقية هي التي أرغمتها غلى ذلك، فهي الابنة الوحيدة الفريدة لآسرة متواضعة من أب هرم بفعل الزمن وأم تكد من اجل البقاء .لقد غادرت سلمى المدرسة وهي ألان تنتظر فارس أحلامها المهم المفترض.
ذات مساء عاد سالم -والد رقية- من الحقل، لكن هذه المرة قد دخل البيت غلى غير عادته هادئا ، تقاسيم وجهه توحي بان شيئا قد حدث أو سيحدث ،لم يكن عبوسا، و صوته مختلط بنبرة خافتة دخل مناديا: سميحة. لتلتحق به مسرعة-أم رقية- يجلسا معا يهمس لها قائلا:عندي لك خبر سار ستبتهجين عند سماعه .
ترد بسرعة غريبة: ما الخبر؟ هيا قل يارجل.
يندهش لردة فعلها فيفصح قائلا: جاء خطيب لابنتنا رقية لن نرده أبدا.
من..؟
ابن أخي إبراهيم.
لقد سمعت رقية الخبر – فهي كانت تسترق السمع غير بعيدة عنهما- تجمدت في مكانها وكأن تيارا كهربائيا قد صعقها .لقد أغمي على العصفورة الصغيرة المرحة. فرقية تعلم جيدا أن لا مفر لها من قدرها المحتوم.و تعلم أن عدم الانصياع للوالد يجلب العار للأسرة. فأحلامها قد تبخرت مع هذا الخبر المزلزل ،فعما قريب سيزوجونها ،وأنها لن تكمل دراستها كما كانت تحلم ولن تكون طبيبة محترمة ، فزواجها من إبراهيم سينهي كل شيء .
أما سلمى الغزالة السمراء فلازالت تغزل الأيام والشهور تنتظر فارس أحلامها لينتشلها من مخالب المجهول ومن زحمة أخبار تزويج قريناتها بما ارتضاه لهن هذا العالم الضارب في الغموض.
لقد تأثرت سلمى كثيرا بما جرى لصديقتها رقية ،فصارت تتراقص بدواخلها أسئلة عديدة، أسئلة تنحدر من شيء واحد هو السؤال :هل ستكتمل فراشات البلدة يوما ما؟ّ؟