الكاتبة: زهرة أمهو
تقديم
لسنا في حاجة دوما لتمرير الخطابات التربوية بالطريقة التقليدية ذاتها، لما قد يسبب هذا من ملل وامتعاض من الشباب. بإمكاننا أن نجنب أنفسنا دور الواعظ المرشد بطرق مختلفة لعل أهمها الأدب. إن هذا ما اجتهدت الكاتبة زهرة أمهو في تحقيقه بكثير من التلميح والإيحاء عبر روايتها. Com” أم “.
تعلن الرواية عن خيارها ومقصديتها منذ النص الموازي، حيث تجلت استراتيجيات الميثاق بين الكاتبة والمتلقي، عبر عتبة التجنيس التي ورد فيها “رواية الشباب”، وبلاغة خطاب الإهداء المصطبغ بتلوين سيكولوجي اجتماعي؛ إذ تهدي الكاتبة روايتها بالانتقال من الخاص: «ابنتها ليلة العام الثامن عشر من عمرها” إلى العام: “كل صبية في عمرها”. تكتسب الرواية أهميتها من كونها صادرة عن كاتبة تمرست، وما تزال، بالسرد باللغتين الفرنسية والعربية، وأمّ واعية، ومتخصصة تربوية تعمل منذ عقدين على سبر أغوار الناشئة في سلك التعليم، وهي بذلك ملمة بطبيعة المرحلة العمرية للشباب، وحاجاتهم النفسية والوجدانية وطرائق تفكيرهم وأحلامهم وطموحاتهم. كما أنها واعية بالتغيرات القيمية التي حصلت في العقود الأخيرة، وبالخلل الذي اعترى قيمنا الدينية والأخلاقية.
الرواية التي قد نتصور أنها ستقحم الشباب في أجواء وعظية، تبتعد بهدوء عن هذا النوع من السرد المباشر، فقد جددت الكاتبة شكلا وموضوعا، إذ إنها لا تُنَمط الرواية التربوية التعليمية ذات المحكي التوجيهي حيث الدرجة الصفر للتخييل. كما لا تتهافت على “التجريب” السردي بالصيغ التي عُدت من قبل مظهرا من مظاهر التجديد، بل اختارت السرد المتواتر المتسلسل المؤسَّس على الترابط والتنامي. وإن كانت الأحداث افتراضية واستفادت مما توفره تقنيات التكنولوجيا العصرية من آليات كالرموز والعلامات والصور…ولامست موضوعا آنيا هاما وملحا ومعيشا. وبذلك تتميز الرواية، لأن الكاتبة استخرجت من الحكم والوصايا سردا لذيذا نافعا، مختصرة المسافات عبر زمن سريع ومختزل يتماشى مع العصر والفئة المستهدفة. وتحقق البعد التربوي بتقنيات تجديدية أخرى أبرزها الأسلوب اللغوي الهجين الذي يجمع اللغات الطبيعية بلغات الرياضيات والفلك والإعلاميات والفيزياء والطبيعيات… في مزيج رائق.
نرى أن ميزة الرواية البارزة، بكل ما تتضمنه من شخصيات حية وافتراضية، وقيم تحاول الكاتبة نقلها عن وعي، هي الصبغة الفنية المتحققة بتوظيف لغة سلسة، وأسلوب بسيط تحقق به أناقتها، وبذلك تنزاح عن الروايات عبر سعي الكاتبة جاهدة إلى أن تضع بين أيدينا خلاص تجربة يتلاحم فيها الإبداع بالتربية، مجندة في ذلك الدين والفلسفة والفكر والشعر لتحاجج عن وظيفية الأدب الإمتاعية، ملتزمة بدورها التربوي والجمالي في آن واحد.
تتنبأ الكاتبة بالممكن وتستشرف المستقبل غير المستحيل فتتيح للشباب، عبر وساطة البطلة، مسؤولية كشف العيوب والإسهام في تقويم الاعوجاج وتصحيح المسارات المنحرفة الهدامة للناشئة والشباب في المجتمع. وفي ذلك توظف المحكي المسترسل والمتأمل عبر الحوار الداخلي، حيث تتبث الوظيفة السردية للزمن النفسي، وعبره يتم تسريع وتيرة المحكي، وتقييد السرد عبر تبئير السارد/ الشخصية حصره تارة، ليصير المحكي حميميا عميقا وشعريا تخييليا، ومحكي الذات بالإقرار والبوح والفضح المختلف عن المتخيل الذاتي تارة أخرى،
فيقوم الأول على الاعتراف بجعل الذات الكاتبة فاعلا في مسار أحداث الحكاية، ومحورا رئيسا في الإبانة عن العيوب، ومن تجلياته توظيف السارد في الرواية ضميرين للاعتراف؛ الأول ضمير (نحن) اقرارا بأن المسؤولية جماعية، والثاني ضمير المخاطب الموجه للشباب.
تسهم الكاتبة في جعل الرواية معول بناء للقيم والمبادئ بدل هدمها عبر حسها التربوي الذي يدفع القارئ من هذا الجيل ليرشحها لأجيال جديدة في المستقبل.
الدكتورة: لطيفة ألحيان
أكادير: 25 فبراير2020
[docxpresso file=”https://bilaaswar.com/wp-content/uploads/2020/05/الفصل-الاول-من-رواية-.com-أم.odt” comments=”true” SVG=”true”]