الكاتب: زهرة الغضبان من تونس ولاية صفاقس معتمدية الغريبة
انسابت قاطرة الزّمان على الكرة الكونيّة تطوي حدود الظّنون،وتبتلع المسافات في جولة تستطلع هدا العالم الغريب ،توقّفت بالمحطة الأولى،ركبت الثّقافة بكل لطف وأدب جلست على أحد الكراسي تتصفّح جريدة وعلى اثرها قدم الجهل مزمجراجلس وأخرج من جيبه قلما وجعل يخطّ على الكراسي ويرسم أشكالا غريبة وفي المحطة الثّانية صعد الثراء يرتدي أفخر الثياب ويضع على كتفيه برنسا من الحرير ،وعلى رأسه تاجا من الذهب ..نظر باشمئزازإلى الكراسي التي لا تليق بمقامه وجلس متأففا وبعده امتطى القاطرة الفقر ،يرتدي ثيابا بالية،وفي عينيه تلمح الأسى والحرمان وفي المحطة الثالثة صعد الباطل الزهوق بجسمه النحيل ،ومشى متعثرا في متاع المسافرين مدعيا أنهم وضعوها في طريقه ثم صاح مدعيا أن عطبا حدث بالقاطرة وستنقلب فاندفع المسافرون نحو الباب أما الباطل الزهوق تمدد في استرخاء وفي المحطة الرابعة صعد الحق شامخا بشوشا هدأ من روع المسافرين ونفى قول الباطل وأمره أن يعتدل في جلسته ونهى الجهل عن العبث بالمقاعد وأمر الثرى أن يعير الفقربرنسه ليستر عورته ثم احتل مكانه .وفي المحطة الخامسة صعدت الكآبة زائغة العينين تتبعها المسرّة ممشوقة القوام ابتسمت للمسافرين فأثارتهم .تأملها الباطل وهو يسبح للبارئ ثم مسح بكمه الغبارعن المقعد ودعاها للجلوس اشرأبت اليها الأعناق ،اعتدل الثرى في جلسته يفتل شاربيه ،حيّاها الحق رافعا حاجبيه الكثيفين ،انهار الفقر واندسّ بين المقاعد ،أخفت الكآبة عينيها بكفيها وانفجرت باكية وفي المحطة القبل الأخيرة صعدت عجوز تتوكأ على عكاز مرسلة آهات تتفرّس بالمسافرين كأنها تبحث عن شيء ما .تساءل الركاب من تكون ؟فأخذت الجهل نوبة ضحك قائلا ألم تعرفوها إنّها الدّنيا الأرملة الشقية تتفرّس في وجوهكم علّها تجد من يتزوجها وهي تطرق باب القبر فهل ترضين بي زوجا يا سيدة الحسن والدلال إلتمعت عينا الدنيا وأخفت عصاها ومشت متبخترة وقالت في دلال رضيت بك زوجا يا عزيزي وبارك الجميع الخطبة وقتها دنا الفقر من الكآبة وهمس إليها طالبا يدها.اقترب الحق من الثقافة طالبا يدها .نهض الثراء وانحنى للمسرّة واضعا تاجه على رأسها وقبل أن يفتح شفتيه خر الباطل ساجدا للمسرّة مقبّلا يديها فابتسمت له بشفتيها الورديتين وأطلق الباطل لسانه معبرا عن مشاعره الفيّاضة ويعدها بوعود لا وجود لها.قهقه الجهل :هانحن هنا احذري إنه الباطل الزّهوق ارتبكت المسرة وانتفضت واختفت بين المسافرين مخلفة وراءها ضحكهم منه واستهزاءهم به .التف المسافرون حول المسرة يهدؤن من روعها وتقدم الثراء لخطبتها ثانية فاعربت عن موافقتها،زغردت الثقافة وعلا التصفيق،ثارت ثائرة الباطل وانهال على الجهل
لطما وركلا ودار بينهما صراع عنيف ،انقبض قلب الدنيا الشقية وأدركت أن لحظة الفراق قد حانت وسيلفظ الجهل أنفاسه بين يدي الباطل الزهوق.وجمعت قواها وانهالت عليه لطما فدفعها الجهل حتى ارتطم رأسها بالقاطرة وبضربة قاضية لفظ الجهل انفاسه ترنحت الدنياوحملت الجثة على ركبتيها تلتهمها ظما وتقبيلا لم تصدق بعد بموته وهرع لها الجميع يقدمون لها التعازي ،فتحت ذراعيهاواحتضنتهم جميعا مرددة أنا في النار وأنتم أتباعي وفي المحطة الأخيرة طوّق أبناء الجهل القاطرة ليأخذوا بثأر والدهم
تحصلت هذه القصة على الجائزة الأولى من نادي القصة والشعر محمد البقلوطي في دورته السادسة ملتقى الأقلام الواعدة بصفاقس