وحيد اللجمي أستاذ الجماليات و فلسفة الفن السيميولوجية بالجامعة التونسية
كانت ليلة القدر وأنا طفل صغير ليلة ليست كمثيلاتها من الليالي، أعد أقلامي وأوراقي وأحسّن من خطي القبيح لأخط رسالة مطلبية للملائكة عسى أن تسعفني بما كنت أطلب وأشتهي، وما كانت شهوتي قصرا ولا كنزا ولا أن أكون ملكا، بل كنت أشتهي لعبة بسيطة أو بعضا من الدنانير لأشتري بها حلوى ولعبا، قيل لي في البداية بأنه يجب على قيام الليل من غروبه إلى غسقه إلى انبلاج فجره، فكنت أرهق نفسي للقيام بذلك حتى ينقطع نفسي وتنحبس الكلمات بين شفتي وحلقي ويحرمني النوم من تحقيق حلمي وشهوتي في مقابلة الملائكة وتقديم مطلبي، كنت انهظ في الصباح ممتعضا والكلام لأمي والمعنى على الملائكة : لماذا لم توقضينني يا أمي لأقابل الملائكة فلي رغبة لطلب لعبة ممن هو قادر على تحقيق كل الأحلام والأمال العظيمة، وحلمي صغير بسيط أفلم تكن تعلم وهي العالمة بكل شيء بانتظاري وسهري وتعبي فتشفق علي وترحمنى من عناء السهر وعناء الانتظار وتحضر قبل أن ينهكني السهر ويعدمني التعب، لم تكن أمي لتجد الكلمات سوى أنها تهدئ من روعي، فكان أن مررت إلى المخطط الموالي بعد تفكير ملي، وبدأت أكتب مطلبي في ورقة بخط مجمل وأضعها تحت وسادتي ولا شيء أجده عند الصباح، فأصبحت أعلقها على الحائط فوق رأسي دون جدوى، تنازلت على نصف مطلبي معتقدا أني أثقلت عليها بما طلبت فطلبت لعبة واحدة وكتبت ذلك بخط كبير وبألوان زاهية ظنا مني أنها لم ترى في مرورها ما كتبته لها، مرت سنوات وانا على تلك الحال وقررت أخيرا أن أكتب لها رسالة أخيرة كانت بالنسبة لي رسالة الوداع، وقلت لها : أيتها الملائكة الجميلة الرقيقة يا محققة الأحلام والآمال ما ضرك لو أخذت بخاطري ولو لمرة واحدة في كل هذه السنوات وحققت لي حلما صغيرا لطفل صغير، ظننتك أرحم علي من أبي وأمي ولكن وإن لم أطلب من أبي ما طلبته منك ولكنه كان يعطيني دون أن أطلبه وكان يمنحني دون أن أكاتبه، لقد سمعت كثيرا وهم يقولون أن الأطفال الصغار من طينة الملائكة فتوسمت فيك طيبتي وما كنت أتخيل أنك مترفعة عن إسعادي وإسعاد كل طفل صغير مثلي، وإذا لم يكن هذا الدور الجميل الجليل هو دورك فما عساه يكون دورك وما هو أمرك ؟ أحتجت إليك في لعبة بسيطة ولم تحقق لي حلمي الصغير فما بلك لو احتجت إليك لتنقذينني من حرب أو جائحة أو إعصار أو مرض خطير، مرت السنوات وتعمقت في القراءات والمطالعات والتفكير والتدبير وعرفت أخيرا أن الملائكة كانت تزورني في ليلة القدر وفي ما تبقى من ليالي السنين وكانت تسكنني وكأنني بيتها الصغير وكانت تهديني ما أريده من لعب وما أشتهيه من طعام وإن قست علي الدنيا تحميني وإن مرضت تداويني وإن ثقلت علي أحزاني تواسيني وإلى يومنا هذا وقد تقدمت بي السنين لتطويني وأنا أطلب الصفح منها لسوء ظني بها .
أبي وأمي رحمهما الله لم أكن أدرك أنكما كنتما أنتما الملائكة ولكنكما متخفيان على شكل بشر.