بقلم الناقد والشاعر أ لطفي عبد الواحد/تونس
مرّة أخرى يطالعنا الروائي الصديق حسنين بن عمّو برواية أخرى من رواياته المتميزة والمستلهمة من تاريخ تونس العظيمة وهذه الرواية بعنوان حجّام سوق البلاط صادرة في سنة 2020 عن دار نقوش عربية بتونس وتقع في سفرين او جزئين كبيرين قارب عدد صفحاتهما الألف صفحة من الحجم المتوسط. ويأتي صدور هذه الرواية التاريخية بعد سلسلة من الروايات التي كان أصدرها المؤلف او أعاد إصدارها في وقت سابق وتحديدا بعد روايته “عام الفزوع” المتعلقة بثورة علي بن غذاهم والصادرة في سنة 2018 عن نفس الدار دار نقوش عربية والتي تشرفت بتقديمها لاوّل مرة في حفل بهيج نظمته النيابة الجهوية للاتحاد الوطني للمرأة التونسية بالتعاون مع فرع الرابطة التونسية للكاتبات التونسيات وجمعية فسيفساء للثقافة والفنون بمقام سيدي علي عزوز مقرّ جمعية صيانة مدينة نابل
رواية حجّام سوق البلاط تعلقت أحداثها بسيرة الوزير الأكبر مصطفى بن اسماعيل في فترة حكم البايات في تونس وتحديدا فترة حكم محمد الصادق باي أواخر القرن التاسع عشر هذا الوزير الذي تشير المراجع الى أنه كان قد نشأ في بيئة اجتماعية غير سويّة وعاشر الشواذّ وتحوّل من مجرد صانع حجّام في سوق البلاط بمدينة تونس العتيقة إلى وزير كبير في بلاط الباي كما تحوّل من مخالطة الرعاع والسوقة إلى مخالطة الأعيان وتسيير شؤون الدولة وتكريس سياسة الفساد إلى حدّ تسليم البلاد للمستعمر الفرنسي. وكعادته وباسلوبه السردي المتميز وقدرته العجيبة على استدراج القارئ واغرائه بالقراءة ومتابعة أحداث ماخطه الكاتب من أحداث وبراعة في رسم الشخصيات وخاصة شخصية مصطفى بن اسماعيل واصل حسنين بن عمو نهجه في تنزيل روايته في إطار تاريخي يغري باستنطاق الأماكن وتنشيط الذاكرة الجماعية وفسح المجال أمام القارىء للتعرف على أحداث ووقائع وشخصيات كان لها الأثر في التحولات التي عرفها المجتمع التونسي وتواصل أثرها في تجليات الحاضر وقد اهدى المؤلف روايته حسب تعبيره إلى بلاده تونس وأولادها وقدّم لها في الصفحات الأولى بقولتين القولة الأولى لابن أبي الضياف صاحب كتاب “اتحاف اهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان” وهي: “من علامات سقوط الدول تدمير الأفاضل بتأمير الأراذل.” أمّا القولة الثانية فتُنسب للعلّامة عبد الرحمان بن خلدون وهي:”لا تُولّوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاة وشؤون العامة لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء واذلالهم بشكل متعمّد نظرا لشعورهم المستمرّ بعقدة النقص والدّونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم”
تهاني مجددا للصديق الروائي حسنين بن عمّو بصدور هذه الرواية التي تنضاف إلى منجزه السردي ومسيرته المتواصلة في الكتابة والابداع وهي مسيرة تكاد لا تتوقف وتدل على أنه أديب موهوب مدمن على القراءة والكتابة ومسكون بهاجس المعرفة وتقصّي الأحداث وهو أديب لايتوقف عند الحكاية في حدود التعبير والامتاع بل يتجاوز هذا المستوى ليجعل منها رسالة او مجموع رسائل تنطلق من زمن الأحداث التاريخي إلى الزمن الإنساني الرحب.. وتمنح الإنسان حيث كان فرصة التأمل في أحداث الأمس وسيرة الأشخاص والامم استلهاما للعبرة في مسيرة الإنسانية وتعاقب الأجيال..
لطفي عبد الواحد
ملاحظة : أتوجّه بالشكر الجزيل للاديب حسنين بن عمّو الذي تفضل باهدائي نسخة من روايته الأخيرة “حجّام سوق البلاط” بمناسبة اللقاء الذي نظمه المركز الثقافي الدولي بالحمامات يوم الأحد 20 ديسمبر 2020 ضمن تظاهرة ديسمبر للفنون لتقديم اصداره كما أتوجّه بالشكر للسيد لسعد سعيد مدير المركز على تنظيم هذا اللقاء الذي نشطه الاستاذ الطاهر العجرودي وحضره جمع من المبدعين والمثقفين..