بقلم الناقد والشاعر أ لطفي عبد الواحد/تونس
نعمة الصوت المغرّد الخالد في سماء الفنّ والإبداع..
ودّعت بلدة ازمور ومعتمدية قليبية وكلّ ربوع الوطن القبلي وتونس وكلّ أحبّاء الفن الراقي في العالم المطربة العظيمة السيّدة نعمة التى وافتها المنيّة اليوم الأحد 18 أكتوبر 2020 اثر صراع طويل مع المرض. ليُسجّل إسمها على قائمة كبار المغنين والفنانين الخالدين في تونس والعالم ولتكون صوتا حيّا في ذاكرة أجيال الحاضر والمستقبل
وعلامة بارزة في سماء الفن والثقافة والإبداع في وطن لايجلّ الاّ مبدعيه الوطنيين الصادقين ومن نحتوا سيرهم الفنية والابداعية بجهدهم وتفانيهم. والمطربة نعمة التي تغادر الحياة للالتحاق بالرفيق الأعلي هي من مواليد بلدة ازمور المحاذية لمعتمدية قليبية من ولاية نابل في سنة 1934 واسمها الأصلي في شهادة الميلاد هو حليمة بالشيخ أمّا اسم نعمة فهو الاسم الفنّي الذي كان اختاره لها الموسيقار الكبير المرحوم صالح المهدي الذي تكهّن لها كما تكهّن لبعض زميلاتها في الفن والغناء بمستقبل كبير في مجال الغناء والطرب نظرا لما تميّز به صوتها من عذوبة وجمال وقدرة فائقة على الأداء فكان لها ذلك النجاح الباهر حتى تبوأت المنزلة العظيمة وحازت الشهرة والخلود وكانت بحق “نَعمة” نِعمة على الفن الموسيقي الراقي وقد تجلّى نبوغ السيدة نعمة في الغناء في سنّ مبكرة أهّلها فيما بعد للالتحاق بالمعهد الرشيدي الذي يعدّ مدرسة في الفن الموسيقي ولتصبح من اوائل المطربين والمطربات في فرقة الإذاعة والتلفزة الوطنية وتجد كامل الرعاية والنجاح والتألق..
غنّت المطربة نعمة وابدعت خلال عشرات السنين ضمن مسيرتها الفنية وعُدّت أغانيها بالمئات قبل أن تعتزل الغناء وتعود لتستقر في منطقتها ازمور الهادئة وتقضّي ما تبقّى من عمرها بين أهلها وقد فضّلت المطربة نعمة دون غيرها من الفنانين والفنانات البقاء في بلدها وعدم الالتحاق بمصر رغم شهرتها وإعجاب الكثيرين من ملحني مصر بصوتها وفي مقدمتهم الموسيقار الكبير سيد مكاوي الذي لحّن لها وفضلت البقاء في تونس الوطن الذي أحبته وظلت صادقة الإيمان به. وقد غنت نعمة العديد من الأغاني المتنوعة المواضيع منها العاطفية والدينية والوطنية ولايزال التونسيون يتذكرون من اغانيها الوطنية الشهيرة والخالدة اغنية ياحبيب تونس ياعزيز علينا وأغنية يانجمنا الطالع ياحظنا التي كتب كلماتها الشاعر الكبير احمد اللغماني ولحّنها الموسيقار الشادلي انور التي مجّد فيها كفاح الزعيم الحبيب بورقيبة والشعب التونسي ضد المستعمر الفرنسي وأغنية الليلة عيد التي اقترنت بفرحة اعيادنا والتي أصبحت رمزا لاحتفالات التونسيين بانتصاراتهم الرياضية وخاصة انتصار الفريق القومي او الوطني لكرة القدم في المقابلات الدولية والفنانة نعمة اجادت في كل اغانيها التي لحنّها كبار الملحنين منهم محمد التريكي وخميس ترنان ورضا القلعي.. وألفها جيل من الشعراء الكبار ومنهم الشاعر محمود بورقيبة والشاعر زبيدة بشير والشاعر محمد المرزوقي وكذلك الشاعر محمد بوذينة من الحمامات الذي غنّت له أشهر اغانيها التي تتغني بمدن قليبية ونابل والحمّامات كما غنت له من أواخر ماكتبه اغنية توسّمت فيك الخير وتمنّيتك.. هذا وتجدر الإشارة إلى أن المطربة نعمة قد نالها التكريم الذي استحقته عن جدارة في العديد من المناسبات وكان من أواخر حفلات تكريمها في السنوات الأخيرة قبل وفاتها الحفل الذي نظمته خصيصا لها وزارة الشؤون الثقافية التونسية سنة 2014 في المسرح البلدي بتونس العاصمة والحفل الذي انتظم في المهرجان الدولي بالحمامات سنة 2019.
رحم الله الفنّانة العظيمة نعمة مفخرة الأغنية التونسية تلك الاغنيةالمتميزة بطابعها الخاصّ وروحها الوطنية الأصيلة المميزة لها عن باقي انواع الاغاني في العالم وأسكنها ارفع مقام في عالم الخلود وتغمدها بواسع رحمته وغفرانه ورزق جميع أهلها وكل أبناء جهة نابل والشعب التونسي المحبّ لفنّها وابداعها جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون..